احمد خالد الكعبي ||
بعيداً عن التفاصيل المتناثرة هنا وهناك فأن ما يجري اليوم في الساحة العراقية له ابعاد جيوستراتيجية خطيرة وهي ذات ابعاد عميقة لها علاقة مباشرة بصراع وجودي قديم متجدد يتلخص جانب منها بالآتي :
السياسة السعودية اصبحت واضحة في العراق ؛ فبعد عجزها عن ازاحة الشيعة عن الحكم ؛ قررت ان تلعب لعبة بريطانية قديمة ؛ لعبة فرق تسد ؛ من خلال تقسيم الشيعة في العراق الى فريقين : اﻻول :
" الشيعة العرب " وهم - بحسب توصيفها - كل من ﻻ يؤمن بوﻻية الفقيه ولا يؤمن بفتوى الجهاد الكفائي ولا يؤمن بالحشد .
الثاني : " شيعة ايران " - بحسب التصنيف السعودي الخبيث - ؛ وهم كل الذين يؤمنون بوﻻية الفقيه ؛ او على اﻻقل ينظرون بأيجابية لدور دولة الولي الفقيه في العراق ؛ ويؤمنون بفتوى الجهد الكفائي والحشد .
ويرفضون اﻻجرام والتأمر السعودي في العراق ؛ وهم بالتأكيد كل فصائل الحشد المقاوم ؛ وعمود حكم شيعة العراق .
هذا التحرك السياسي لم يأتي من فراغ ؛ بل جاء تحت ضغط امريكي كبير قديم جديد على السعودية من اجل اﻻنفتاح على " اﻻعتدال الشيعي " في العراق ؛ وعدم رفض حكم الشيعة بشكل جذري ؛ من خلال التعامل معهم ( كوحدة واحدة ) ؛ وكانت السعودية ترفض دائما؛ ولعل ما جرى من حوار بين طارق الهاشمي والملك السعودي السابق عبد الله ؛ الذي نقل وقائعه حسن العلوي ؛ والذي قال فيه الملك للهاشمي ما نصه : اعطيتك ملياري دوﻻر وﻻ يزال الشيعة في الحكم ؛ يعد دليلا على الرفض الجذري السعودي السابق - ﻻي نوع من انواع الحكم الشيعي في العراق وان كان قائما على التشارك في القرار مع المكونات اﻻخرى ؛ كحاله اليوم في العراق - .
هي لعبة ذكية نعم ؛ لكنها قديمة ؛ وشيعة العراق لن تنطلي عليهم ﻻنهم خبروها كثيرا وذاقوا مرارة وخزي اتباعها .
السعوديون يسعون لجعل شيعة العراق فريقين ليسهل السيطرة عليهم ؛ ثم انقلاب تتدريجي عليهم وعلى حكمهم في العراق ؛ عبر دعم الفريق " المعتدل " وتقويته ضد الفريق " المتشدد" .
وللتذكير فقط نقول بأن الفريق اﻻول ليس ضعيفا او هامشيا ؛ لكنه سيرتكب خطيئة كبرى ان هو امتطى ظهر هذه الخديعة .
ان عمق الصراع في العراق يتجلى في المحاولات السعودية المستميتة والمدعومة من جزء فاعل ومهم من صناع القرار في الولايات المتحدة واوربا ' لاعادة تشكيل واستنساخ صورة النظام البعثي البائد من جديد في العراق ' والذي حاولت فيه الرياض بعد سقوط صدام عام 2003 عبر الفكرة المشهورة ( صدامية بلا صدام ) وكان مرشحها لهذا الدور هو الدكتور اياد علاوي ' وكانت عبارة عن قطع راس النظام العفلقي الكافر واستبداله بأخر وترك جسده سليما معافا ؛ وكانت محاولة كبيرة وخطيرة فعلا ؛ الا انها فشلت ربما بسبب ان البيئة السياسية والاجتماعية الشيعية العامة بالدرجة الاولى والكردية وبعض الطبقات العشائرية والحزبية السنية لم تعد تتقبل او تستسيغ هذه الافكار الفوقية ' هو مجتمع يريد ان يعبر عن نفسه ويخرج من شرنقة العدم والدم .
وايضاً لعدم قناعة المحافظين الجدد وقتها بهذه الأفكار كونهم كانوا يحملون مشاريع هيمنة اكبر وأعقد من هذه النفايات السعودية المتخلفة .
الْيَوْمَ لن يستطيع احد بناء نظام سياسي في بغداد معادي لطهران ؛ وهو ليس في مصلحة العراق بالدرجة الاولى كونه سيجعل منه مرة اخرى حطبا لحروب دولية واقليمية قديمة جديدة تدار بالوكالة ؛ بل بالعمالة .
ممكن ان لا يكون النظام في بغداد حليفا لطهران , وممكن ان يكون مجرد صديقا لها ؛ لكنه بالقطع لن يكون نظاما معاديا .
بصراحة اذا فكر اي من صناع القرار الدولي والاقليمي بهذه الطريقة فأن ذلك يعني انهم خارج اطار المنطق , وهذا خطير جدا وسيخسرون .
وقد مضى الوقت أيها الوهابيون التكفيريون المجرمون الذي كنتم فيه تبيعون اجسادنا السومرية لحرب صدام العميل ضد الامام الخميني عليه الرضوان .. مقابل سيارة .
https://telegram.me/buratha