✍ سعود الساعدي ||
كل الحركات التغيرية والثورات الناجحة عبر التاريخ اعتمدت على نخب فكرية وثقافية أحدثت تفاعلا مجتمعيا واسست لتحولات سياسية في الواقع فالتحول السياسي لابد ان يسبقه تغيير اجتماعي والتغيير الإجتماعي نتاج لحركة نخبوية واعية لا تؤمن بالثقافة بمعاناها الكلاسيكي المعرفي الضامر والمضمحل وهو انها مجرد مركب من المعارف والمعتقدات والاخلاق والفنون والأعراف والقوانين والعادات بل تؤمن بأن الثقافة بمعناها الحركي الانثربولوجي وهو أنها نمط حياة وإرادة تغيير وخطة عمل فالمثقف هو الشهيد والمحفز الأساسي لحركة المجتمع عبر صناعة الإرادة بعد صياغة العقل وتكوين الضمير.
النخب الثقافية هي ليست مصادر إنتاج للوعي الحقيقي والرؤى السليمة والبصيرة النافذة فقط بل هي أيضا عناصر ضبط لسلوك المجتمع وأدوات توجيه لحركته و منصات توظيف لقيمه ومعارفه وتاريخه ومصدات لرد وردع هجمات أعدائه فضلا عن كونها محطات تنقية لأخبار حوادثه ومستجدات معلوماته اضافة الى كونها مراكز تنمية وبناء لقادم مستقبله.
رغم ما أحدثه النصر على تنظيم داعش من تحول على مستوى الميدان الا ان هذه الفرصة المثلى لم تستثمر وتوظف كما يجب فالفعل الميداني أي فعل مهما كان عظيما وكبيرا ورائعا لن يضمن بقاءه إذا لم يتحول إلى عقول مبدعة وافكار منتجة وعادات وسلوكيات رصينة وتقاليد وأعراف ثابتة يتم العمل على إنتاجها وتطويرها بإستمرار لتواكب المستجدات وتتحدى التهديدات والمخاطر المزمنة المحيطة بنا في كل آن.
لم تكن أزماتنا المزدوجة والمتكررة يوما نتاج مشكلتنا السياسية الظاهرة التي طالما تصدرت الواجهة بل هي نتاج مشاكلنا الثقافية والاجتماعية الغاطسة التي شكلت البنى التحتية والمحرك الأساسي والدافع الحقيقي والمفجر الواقعي لكل ثورات بركان جبل ازماتنا السياسية.
إعادة تشكيل الثقافة المتراجعة واثارة الوعي الراكد هما عاملان أساسيان يعدان خط الدفاع والصد الأخير وتحويلهما إلى عاملي تنمية في الداخل وردع لاعداء الخارج في الداخل والخارج بحاجة لاعلان "ثورة ثقافية" أو على الأقل إعلان حالة طوارئ ثقافية فمصيرنا ومستقبل ابنائنا مرتبط ارتباطا مباشرا ووجوديا بنجاح ثورتنا الثقافية فهي أم الثورات وأصلها.
https://telegram.me/buratha