عباس العطار ||
لنبدأ بنظام الأقاليم الانفصالي، الحلم الذي يراود بعض زعماء كردستان، ونستقرأ بواطنه وما ورائياته كونها خطوة اقدمت عليها كردستان مؤخرا ولم تنجح، ليس لأنها لم تحقق نتائج قبول شعبية، بل، كانت أشبه بسياسة (لي الاذرع) مقابل الحصول على مكتسبات اقتصادية وسياسية ولغلق بعض الملفات الاقتصادية مع الحكومة الاتحادية، فضلا عن الصراع الحزبي والتشتت المجتمعي الموزع بين المد الإسلامي والعلماني وميول خارجية اخرى.
من هذا المنطلق نناقش تلك الرغبة الخجولة عند البعض ممن يحلم باقلمة العراق الى إقليم الوسط والجنوب واقليم الغرب، وهذا الحلم لا يخلوا من تبعات واضرار تمس وحدة الأرض والشعب واضعاف العراق، وقد يصب في منفعة المخطط الغربي في تقسيم العراق.
لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر إقليم الوسط والجنوب، ونسأل دعاته والمروجين له:
ما حجم الانقسامات المجتمعية الموزعة بين الحزبية السياسية والطائفية المنقسمة الى ولاءات ومرجعيات دينية داخل العراق وخارجه؟
وكم هي الألوان الفكرية المتأثرة بدول الغرب وإدارتهم؟
اما إقليم المنطقة الغربية لا يختلف عن كان واخواتها، ففيه اجنحة متعددة بين المشروع العربي والمشروع العراقي والمشروع السلفي وتوجهات اخرى.
أما التحدي الكبير الذي تشترك فيه هذه الأقاليم .. هو السلاح المنفلت خارج سيطرة الدولة ان وجدت دولة.. وسيطرة الأحزاب المستولية على المال العام منذ ٢٠٠٣.
اذا في ظل هكذا تقسيمات اجتماعية على جغرافيات متفرقة من أرض الوطن اي نظام سياسي واداري ينفع؟
- ان قلنا النظام السياسي الحالي فقد فشل فشلا ذريعا، لانه مشروع أمريكي قابله مشروعات مناوئة للأمريكان في المنطقة، وحل بالعراق ما حل به من ويلات وأصبح ساحة لتصفية الحسابات.
- النموذج الكردستاني صراعاته غير متوقفة ومعركة المماليك في الإقليم لا تنتهي.
واذا نظرنا الى حدود العراق المحاط بها من جهة الجنوب الكويت ومساحات متاخمة للسعودية.. ومن الشرق إيران وتركيا شمالا .. ومن جهة الغرب سوريا والأردن.
من الذي يجمع هذا الشتات؟
- ان قلنا الدستور فإنه أول من كرس للمكوناتية وقد عانينا من مشكلاتها.
- اذا اتجهنا الى التجربة العلمانية فأي علمانية؟ ولا يوجد رؤية سياسية شاملة توائم واقع العراق اجتماعيا وثقافيا .. بل ما زال الكلام في العلمانية لا يتعدى الأماني وحديث للاستهلاك الثقافي.
- التوجه الإسلامي قطعا غير مقبول اجتماعيا اليوم على المستوى الشعبي والدولي.. فضلا عن فشل الإسلام السياسي الاخواني في المنطقة.
- ولو قلنا ان السيناريو الأقرب للواقع هو الدولة المدنية غير المؤدلجة، وهذا كلام أشبه بضربٍ من الخيال .. اذ من الممكن لجهة تملك المال والنفوذ والدعم الخارجي تشكيل جبهة سياسية كبيرة تحت هذا العنوان الفضفاض وتشكل الحكومة باريحية.
لنتصور اننا اجرينا استطلاع للراي حول إتجاهات المواطن العراقي كم نجد منهم، ما زال غير مؤدلج وغير منتمي لتيار سياسي او لتوجه طائفي او قومي واثني او إتجاهات فكرية اخرى؟
فضلا عن التمسك بالعشائرية والتعصب القبلي.
سيقول لك البعض او الاغلب ان هذا الجيل ممكن ان يقود العراق الى الدولة المدنية، طيب لنتوقف عند هذا الرأي المحترم ونسأل: هل لهذا الجيل عقدة من الجيل السابق؟
نعم
هل يمكن جزما القول ان هذا الجيل غير مؤدلج؟
لا
هل يمكن جزما انهم يملكون رؤية إدارية واقعية للدولة؟
لم يجرب بعد
طبعا هذه تساؤلات وليس صفات نضعها لنصل الى حقيقة الأمر.
اذا لنذهب الى خيار الحاجة الى جيل جديد او نشيء جديد وهنا يبرز التساؤل الآتي:
من يبني هذا الجيل؟
ومن يصمم مناهج التعليم والتربية التي تُسهم في غرس مفاهيم السلم المجتمعي، وآليات التعايش المسالم واحترام حرية التعبير واحترام الانتماءات واهمها احترام الآخر المختلف؟
لنناقش في طريقنا الرؤية التي تقول ان جيل الحركة الاحتجاجية له القدرة على ذلك، سيقول الرأي المقابل انهم أيضا معبئين ضد الأجيال السابقة، وضد اي ميول دينية خصوصا من الجيل المتطرف اسلاميا، وهذا له أسبابه قطعا لانهم لم يحضوا باهتمام ولم يتلمسوا ابوية الجيل السابق وهذا كله يعود لسياسة الأحزاب الطائفية.
على وفق هذا الواقع اذا الغاء الآخر سرى الى ثقافة هذا الجيل ايضا وهذه ردود أفعال حتمية.
يبقى خيار الإصلاح الذي يتطلع له الجميع عن طريق تصدي مجموعة نخب تطرح علناً مشروعها الإصلاحي، شرط ان يكون عملي ومدروس وضمن توقيتات مراعية لجميع التحديات الخارجية والداخلية.
ان زعمنا ان هناك من يمتلك هذا المشروع .. سنقول نعم في العراق طاقات ومخلصين فلا شك في ذاك، لكن ما لم يكن هناك عملية انتخابية نزيهة ونظام انتخابي عادل يراعي حرمة الأصوات، حتى ينتج ممثلين حقيقين للشعب وكل ذلك ممكن ان ذهبنا الى اعتماد نظام الدوائر المتعددة الصغيرة، وهنا اعتقد ستولد مشروعات وطنية تنافسية لان المراقب يشاهد خلو الساحة من مشاريع وطنية لكنها ممتلئة من اصوات وضجيج.
وما زال العراق ينتظر من يضمد له جراحاته والسلام.
A.G. alattar
https://telegram.me/buratha