- الأكذوبة المتواترة ،والحقيقة المتناثرة . - احتلال العقل ،لايقلّ خطورة عن احتلال الأرض . - الشعب الذي يفقد حقائقه ،يفقد مصيره . (كذب مسفط – ولا صدق مخربط ) مثل شعبي أفرزته الحياة بتقلباتها وغرابتها ،حيث الأكذوبة اكثر صلافة وقدرة على الانتشار، ولاتحتاج سوى دهاء صنعة ووضوح استهداف ، فيما تنزوي الحقيقة خجلة ، في محاولة الدفاع عن نفسها واثبات صحتها، وفيما تقدم الأكذوبة بشكل متماسك ومغرٍ، تتبعثر الحقيقة بجعلها (متهمة ) لأن الأكذوبة تهاجم دوماً وتختار زمن ومكان هجومها ووسائل (انتصارها) فيما تكتفي الحقيقة بالتمترس وراء طهارتها ،متناسية تلك الحكمة الشعبية (الحقوق تريد حلوق ) . في واحد من أهم الأساليب التي استخدمت في ثبوت الأكذوبة وشيوعها ،ماسمي ب"التواتر" وهو مصطلح أطلق على الحديث المتناقل بصورة متواصلة تخلق ديمومة ،فتجعل من ذلك الحديث "صحيحاً " بدلالة تواتره" أي تناقله بشكل متوارث. أتاحت مواقع التواصل ،فرصاً سهلة وامكانيات كبيرة ،لجعل التواصل فاعلاً ومؤثراً ،يمكن بواسطته ،ليس ترويج الأكاذيب وحسب ،بل جعلها تتمكن من نسج شباك كبيرة غير مرئية ، وخلق حيّز واحد للرؤية ، يصعب الخروج منه ، والا ووجه بردع ،يجبرمن يحاول ، أما على الصمت ،أو السير مع المسار . "الجيوش الألكترونية" ظهر مع انكشاف تلك المجموعات الكاملة في مواقع التواصل ،التي تجتمع لخدمة أهداف واحدة أو متقاربة ،وهي تعمل فعلاً بنظام الجيوش ،حيث غرفة عمليات ذات سيطرة ونظام توجيه وصناعة حرفية ،تحرّك وتسيطر على الاعمال وتوعز بوضع عناوين محددة ، أو التركيز على مواد بعينها ،غالباً ماتكون موجهة نحو بلد ما أو قوى سياسية فيه ،أو حتى شخصيات ينبغي تسقيطها والاساءة اليها ،أو تضخيمها والترويج لها . لقد كشفت تقارير دولية – كما فعلت ادارة الفيسبوك- بان هناك مجموعات تدار في أكثر من بلد ،وتمول من دول وأطراف محددة – جاءت السعودية في مركز متقدم – تعمل هذه المجموعات بخطوات مدروسة ومحسوبة حسبما يلي : - مراقبة سير الأحداث في البلد المعني واتجاهاتها والقوى المؤثرة فيها . - التركيز على حدث معين وقع فعلاً واعادة صياغته بطريقة تجعل الحقيقة مقلوبة فيه . - إن لم يتوفر حدث يمكن تضخيمه أو تحويره ،يجري اختلاق حدث يبدو وقوعه محتملاً . - يجري نشر المادة المختارة في أحدى المجموعات أولاً، ومع عدد كبير من اشارات الاعجاب والتعليقات المؤيدة بمعظمها . - بعد وقت قصير ،يتم نقل الحدث بصياغة أخرى وبذات المضمون ،الى مجموعة جديدة مع اشارت اعجاب وتعليقات جديدة تذهب بالاتجاه ذاته وتنوع عليه . - بعدها ينتقل الى مجموعات مساندة مع تأمين الاستمرارية والشيوع باعجابات أكثر وتعليقات من شانه خلق جو ضاغط . - مع استمرار تداول الأكذوبة وتواترها ، تدخل في مجال "الحقيقة" اعلامية لتؤسس مثل مدماك ينتظر المزيد. - انطلاقاً مما صنعته الأكذوبة الأولى ،يجري اعداد مايكمل البناء عليه ،بأكذوبة أخرى ،يتم التعامل معها كما التي سبقتها . - ومع تراكم هذا النوع من (الحقائق ) يتخلق ثغرات في وعي المتلقين المحايدين ، ثم يتم تحول هذه الثغرات الى اختراقات مكتملة الفاعلية . - يرافق تلك الأعمال الألكترونية ، حملة شاملة بانتقاء الفاظ واتهامات جارحة ضد كل من يحاول مخالفة اتجاه تلك الحملات او الخروج عما تريده ، وبالتالي لاتسمح لأية تساؤلات أو تشكيك بما تقوله أو تروج له . - ومع استمرار هذا النوع من العمل ،وبمساعدات أ خرى من فضائيات وضيوف وكتاب صحف ، تكتمل الحلقة التي يقيم كل مايجري في البلد المعني ،من خلالها ، ويصبح (ثقافة ) يقينية وايمان جديد ، بل وتقاس على أساسه مفردات الوطنية والاخلاص والوعي . - الإنسان الذي يتلقى هذا الكمّ الهائل من (التوجيه) يصاب بتبني مايسكب فيه ، ويصدق كل مايقال ، ف(يتطوع) في تلك الجيوش ويصبح من المتحمسين لها والترويج لما تقوله . - تتحول (الجيوش) الأعلامية ، الى احتلال يزيد في خطورته عن الاحتلال العسكري بصورته المباشر ،انه احتلال الوعي والعبث بالعقل والحقيقة ، والشعب الذي يفقد حقائقه ،يفقد مصيره كذلك . (*) الذباب الألكتروني ، صفة أطلقتْ كذلك على تلك الجيوش ،لكثرة طنينها
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha