كتب د. هاتف الركابي ||
أرسل مجلس الوزراء يوم الامس هذا المشروع الى البرلمان والذي يحوي بين ثناياه عشرة فصول ضمن ( ٢١ ) مادة مع الاسباب الموجبة ، ومن المعلوم ان التحولات الجذرية والعميقة المتجلية في الفكر والقيم والاخلاق في المجتمع العراقي بعد ٢٠٠٣ وتنامي ظاهرة العنف واتساع حجمها وتأثيراتها على الأسر العراقية مع غياب البعد المؤسسي في معالجة هذه الظاهرة مما تولد عن ذلك اعداد هائلة من المعنفين من الاطفال والنساء وكبار السن ، ومن ثم ادى ذلك الى تفشي مظاهر الفساد الاخلاقي وانهيار المنظومة القيمية للأسرة ، نحن بحاجة الى هذا القانون ، ولكن عندما يُكتب ويصاغ هذا القانون بهذه الطريقة الغامضة وما ورد في طياته سيضعنا أمام كارثة أخرى ويضع اقدام المجتمع على شفا جرفٍ هار ، لان الموضوع من اخطر المواضيع الحساسة ، ويجب التعامل معه بدقة وحذر شديدين ، وينبغي التوازن بين مسألتين ؛ الواقع المؤلم للفئات المستضعفة بسبب التقاليد السائدة والفاسدة وسلطة الوصاية ، وبين مسألة القيم والعادات والدين والتي نص عليها الدستور بشكل جلي .
فعند قراءتي لنص المادة الأولى من مشروع القانون والذي عرف جريمة العنف الاسري ( كل جريمة من الجرائم الواقعة على الاشخاص اذا ارتكبها احد افراد الاسرة تجاه الاخر ) وهنا سكت المشرع ، ولم يحدد ماهية الجرائم ؛ هل هي جسدية أم نفسية أم فكرية أم اقتصادية ام جنسية ، وهذا سيدخلنا ويدخل القضاة عند التطبيق بالسجال والاجتهاد ، وهذا لاينسجم مع فلسفة الاصلاح الاسري وستكون عاملاً مشجعاً للتفكك وسيؤدي الى التوسع في التطبيق لتشمل حتى حالات ترببة الاب لأبنائه في حال ارتكاب السلوك الخاطىء وعندئذ يمكن ان تكون إيماءة أو نظرة الاب لأبنته عنف أسري ، ومن ثم سيودع الكثير من الآباء والأمهات في السجون لمجرد تقديم الشكوى من الابناء تحت ذريعة الاعتداء النفسي أو الفكري .
ومما يثير الاستغراب ان المشرع قد وقع في خطأ كبير عندما نص في المادة الثالثة عندما أسس دائرة تسمى ( دائرة الحماية من العنف الاسري ) وجعلها ضمن تشكيلات وزارة الداخلية ، وهذه طامة كبرى لان ذلك يتعارض مع عمل الحماية والوقاية ، إذ أن عمل الداخلية عمل بوليسي وسيزيد المشاكل ويفاقمها وسيضع عقبات كؤود أمام اصلاح الاسرة والشواهد كثيرة وآخرها الذي انتشر في وسائل التواصل وتعاملهم مع الاطفال . مما سينسف ذلك القانون نسفاً . فضلاً عن ان هناك دوائر في الداخلية طوال كل تلك الاعوام وهي الشرطة المجتمعية وغيرها ولم تقدم شيء في المعالجة .
وفي المادة ( ٨ ) جاء المشرع بأمر خطير ، ولعمري فأنه سيجعل المجتمع في ريحٍ عاصف من أزمةٍ تتلوها أزمات عندما نص في الفقرة الخامسة على الاخبار عن طريق ( المخبر السري ) مع الابقاء على عدم كشف هويته وابقاءها سرية ، وهذا الامر سيشجع الابناء والبنات الذين تربطهم علاقة بذلك المخبر على تقديم الشكاوى والحصول على التعويض المادي والمعنوي من خلاله . وهذا الامر سيفتح الباب واسعاً أمام العداء بين المجتمع .
وتأسيساً لما تقدم نقترح ما يأتي :
١- نحن مع تشريع القانون للحد من تفشي هذه الازمة الاخلاقية ، ولكن مع الحفاظ على المتبنيات الاجتماعية والقانونية والعقلية والاخلاقية والاسرية ، ونحن نقر بأن الضرب البدني ، والحجز والاختطاف ، والتهديد والتخويف والاكراه ، والتحريض والمساعدة على التسول ، والمساعدة على عمل الاطفال ، والاكراه على الزواج وزواج القاصر ، والاستغلال الجنسي ، واكراه الزوجة على الممارسات الشاذة ، والتحريض والمساعدة على البغاء والدعارة ، والنظرة الدونية والاهانة والتحقير ، والاجبار على الاجهاض ، والاجبار على ترك الدراسة وغيرها ، هذه جميعهاالتي ذكرتها افعال عنف أسري ، ولكن المشرع لم ينص عليها وجعل جريمة العنف مبهمة و لم ينص على تلك الافعال مطلقاً وجعل الحبل على الغارب .
٢- ادعو السيد النائب الاول لرئيس البرلمان كونه المسؤول عن عمل اللجان على التفاهم من خلال التعاضد مع الحكومة واقناعها بسحب القانون ومن ثم اقامة ورشة عمل موسعة تضم كبار علماء الاجتماع وعلم النفس واللغة العربية والقانون والمختصين لغرض بيان وتعريف حالات العنف الخمسة ( النفسي ، الجسدي ، الفكري ، الجنسي ، الاقتصادي) حتى يتم تدوين كل شاردة وواردة ، عندئذ ستحدد الافعال بشكل واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار ولا حاجة للسجال والاجتهاد الذي يقدح في المضمون.
٣- ان يعهد تأسيس دائرة الحماية ضمن تشكيلات وزارة العمل أو الادعاء العام ، وترفع من وزارة الداخلية للاسباب التي ذكرناها.
٤- يجب أن ينص القانون على عدم ابقاء هوية المخبر بشكل سري ، ويجب الافصاح عنها لمعرفة كل الملابسات وانسجاما مع الشفافية في التعامل وحتى لاينزلق المجتمع وينحدر الى الدركة السفلى .
٥- صياغة القانون والاسباب الموجبة جاءت بشكل لايثلج الصدر ولا يشفي
الغليل ، فضلاً عن الارباك في النصوص المهلهلة .