سلسلة الاغتيالات صاحبتها حمامات الدم , وغلق مدارس وحسينيات ومصادرة الاف الكتب الشيعية , ومنع أي نشاط شيعي , وصل الحال ان رفعت السلطة الطائفية جميع كتب الادعية من المراقد المقدسة في العراق, ومنعت كتاب مفاتيح الجنان والكراريس التي تتضمن الادعية والزيارات . وانتهت في العراق تماما صدور أي نشرة ثقافية تخص الطائفة الشيعية ,وتحولت العتبات الى اماكن زيارة فقط..
هذه الاجراءات استقطبت الجمهور الشيعي عامة والحسيني خاصة الى الحسينيات والجوامع ,( وكثرة الحضور رغم المنع في الحسينيات والجوامع الشيعية اربك ازلام النظام) ولذلك بقيت فسحة ضيقة لممارسة الخطابة الحسينية , وهي الرافد الوحيد.
في تلك الاجواء كنت اشعر بثقل المسؤولية , وقمت بها والحمد لله بما اتمكن ان اقوم به , وغالبية رواد المجالس يقولون الان ( انت لا تخاف مطلقا حين تتكلم )
مع لواء مهدي مدير امن البصرة : هذا الرجل اقل ما اقول عنه انه دموي حاقد مفرط في الاجرام , في عام 1999 م بعد اغتيال الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر, حدثت في البصرة انتفاظة طلب ثار اغتيال المراجع خاصة الشهيد الصدر. وكانت تعرف بانتفاظة 17/3/1998 .. وتم تصفية اغلب المشاركين فيها وهروب اخرين وتهديم بيوت وحسينيات من قبل الامن والحزب .
في شهر محرم من نفس العام كنت اقرأ في مجلس ال شبر , وكان عدد الجمهور لا يسعه الجامع والشارع, فكانت قوات الامن متواجدة بكثافة في كل مجلس وكل صلاة جماعة , في ليلة العاشر دعاني السيد المرحوم نور الدين ال شبر في غرفة الاستقبال, وغلق الباب وطرح موضوع السيطرة على الاجواء يوم العاشر ( خوفا ان يقوموا يلطمون وترتفع شعارات ضد صدام وزبانيته) حيث كانت الاجواء متوترة وتطاول الناس بالكلام ملحوظا.
اجبته :انا متوقع ذلك واعددت العدة , واطلب من الله العون في السيطرة على ادارة مقتل الحسين (ع) دون ان يؤدي الى اعتقال الشباب واعدامهم . في اليوم الثاني كان عدد الجمهور لا يوصف ,كنت انظر الى جموع الحاضرين كأنهم السيل , لما وصلت الى وداع الحسين (ع) الثاني لآل بيته , قطعت الاسترسال في قراءة المقتل, وقلت للناس بصراحة تامة ( اخواني ما بقي من مقتل الحسين (ع) الا عشرة دقائق ) فاتوسل عليكم بدم الحسين ان لا ينهض احد ويلطم , ولا يرفع احد صوته الا بالبكاء , من يعيننا يبقى في مكانه ومن هو عدو الحسين ولا يحترم الزهراء (ع) لا يحترم كلامي هذا لان فيه فائدة للجميع , ثم استأنفت , في حالة الوداع وتوديع الاسرة الطاهرة .
لاحظت ان هناك شخص ممتلئ يرتدي دشداشة بيضاء , محسور الراس يتقدم بصعوبة بين الجالسين نحو حرم المسجد , اشرت اليه بيدي ان يجلس . كان ينظر لي, فلم يجلس اشرت له مرتين ثلاثة لم يجلس. فقلت له اخي اجلس في مكانك .! لم يجلس , فتصورت انه يريد ان يهتف ضد الحزب مع لحظة مصرع الحسين(ع) فقطعت المقتل ووقفت على المنبر وكلمته بهذه اللهجة , ( اخي اجلس والا انزل لك واجلسك غصب عليك.. اجلس) .
فنظر اليه الناس وصاحوا اجلس فجلس , لم اعر له اهتماما بعدها, اكملت القراءة وبدات بالنعي , ثم انهيت المجلس , وخرجت مباشرة حيث سيارة تنتظرني .
في ليلة الحادي عشر جئت لاقرأ اخر مجلس ( ليلة الوحشة) وجدت جماعة جالسين في صحن المجلس دعوني ان اجلس قربهم , اعتذرت , فالحوا ان اجلس , قال لي احدهم انت اشجع عراقي رايته في حياتي !! فتصورت انه يستهزأ , مالي والشجاعة .؟ قلت انا اعرف نفسي اني لست شجاعا , ربما تتصور اني قرات المقتل وهو نوع من الشجاعة تلك الفترة . قال لا : موقفك اليوم من لواء مهدي مدير امن البصرة , هذا نسميه صدام حسين ونخاف منه كثيرا, وانت اليوم تقول له اجلس لا اجلسك رغما عليك .. ابتسمت له واقسمت اني لا اعرف انه كان لواء مهدي . الحمد لله الذي انقذنا منه.
https://telegram.me/buratha