اسعد عبدالله عبدعلي||
كان ينوي الزواج من فتاة جميلة ومثقفة, فقرر لقاء اخوها للاتفاق على ترتيبات الزواج, وحصل اللقاء المنتظر, وهناك اشترط اخو العروس شرطاً غريبا! لقد اشترط ان يدفع الخاطب (الحبشكلات) كي يمر الزواج, خصوصا ان قرار الزواج بيده, والا اوقف المشروع الى ان يأتي عريس يدفع (الحبشكلات)! صدم العريس صدمة كبيرة, وقرر التفريط بالمشروع الذي بدايته بالحرام والنتانة, وهرب وقرر ان لا يفكر بالزواج مرة اخرى, فهذا البلد لا ينمو فيه الا الشوك.
تتردد كثيراً مفردة "حبشكلات", وهي مفردة من المفردات الخاصة التي يتداولها العراقيون مثل "دهن الزردوم" و"الريوك" و"استكان الشاي" و"التوريق" والـ "مالات" وغيرها، والتي ظهرت بعد الاحتلال الأميركي للبلاد. لكن اللافت أن جميعها تعني "الرشوة"., حيث اصبحت سياق عمل الاحزاب والمؤسسات والتجارة والاسواق, بل مطلق المعاملات عموما.
وللحبشكلات في واقع بلد الواق واق الف صورة وصورة, فالدعم مستمر وموجود لهذه الشجرة الخبيثة بان تثمر وتكبر.
حدثني صديقي ابو زيد عن همومه في تحصيل قرض, فالمعاملة التي قدمها للمصرف لا تتحرك منذ ثلاث اشهر, وهو قد جلب كل ما طلب منه من الاوراق الرسمية المطلوبة, وقد باح لي بسره, فقال: "ان هنالك موظف كبير داخل المصرف اخبره بدفع (الحبشكلات) حتى يحصل على القرض بسرعة.. يقول صديقي لم افهم مغزى المصطلح اول الامر! فظننته نوع من انواع السرد الروائي, او تعبير عن الواقع السياسي, في الاخير فهمت انه يطلب رشوة.
الان صديقي حائر.. بين ما يملك من قيم تمنعه من ان ينجر مع اهل الخطيئة ودفع الرشوة, وبين حاجته الشديدة للقرض.
وحكايات الحبشكلات لا تنتهي, ومنها قصة العجوز المسن ابو كريم الذي كان يسعى وراء اصدار هويته التقاعدية, وهو متعب ومريض وساقاه لا يقويان على حمله, ومعاملة اصدار الهوية تحتاج لقوة بدنية وصبر وتحمل, فكل شيء في بلد الواق واق يأتي بمشقة, كأنها ارض ملعونة, كان متعباً فجلس على الارض فلا توجد مقاعد لجلوس المراجعين, فاقترب منه شاب, وهمس في اذنه: "انا موظف هنا وسوق اساعدك في اصدار الهوية, من دون ان تتعب, فقط اعطني الحبشكلات وتدلل حجي"!
حتى العجوز المسن المتقاعد لا يسلم من دفع الحبشكلات, فهي الطريق الوحيد لإنجاز الاعمال بسرعة وسلاسة.
اما عن الحبشكلات العملاقة فالكلام يأخذ شكل اخر, فهل تعلم انه في بلد الواق واق لا يمر عقد كبير الا بدفع نسبة معينة لكل صنم كبير ( القيادات العليا), تأخذ حبشكلاتها كي يمر العقد, حتى لو كان لشراء لحم الخنزير او الخمور, فالمهم عندهم دفع الرشوة وليحترق البلد, وثاني يوم تجد الاصنام تخرج علينا من دون أي حياء, فواحداً من الاصنام يذكر اهمية طاعة الله, وصنم اخر يحدثنا عن زهده, وصنم ثالث يبكي على خراب البلد وحال الناس التعيس, في لوحة نفاق نتنة جدا كل يوم تتكرر ويصدقها السذج.
كم نحتاج وجود الامام علي (ع) كي يهد الاصنام من جديد, فالجاهلية عادت لتسطو على حياتنا, وها هي تعتاش بواسطة (الحبشكلات).