مالك العظماوي||
يحاول الطغاة في كل زمان ومكان معاقبة الناس بمحاصرتهم وتضييق سبل عيشهم، أفرادا وجماعات، لأجل الوصول إلى أهدافهم من خلال تجويعهم، وبهدف إذلالهم ومن ثم تركيعهم للقبول مرغمين بما يُملي الطغاة والظلمة والمستكبرون عليهم.
وبدأ أول تجويع في تأريخنا الإسلامي بمحاصرة المسلمين في شِعْب أبي طالب أو شِعْب بني هاشم، وقد حوصر فيه بنو هاشم لمدة ثلاث سنين، وذلك للضغط على رسول الله صلى الله عليه وآله وثنيه عن الدعوة للإسلام، فقاطعوهم بالبيع والشراء وغيرهما حتى نفد كل ما لديهم، لكن النبي والذين آمنوا معه نجحوا في تجاوز المحنة بإيمانهم ووجود الرسول صلى الله عليه وآله بين ظهرانيهم.
وعلى نهج الظلم والاستعباد في عصرنا الحالي، نجد محاولات أمريكا وعملائها، وهي تخطط جاهدة من أجل لَي ذراع العراقيين وزحزحة إيمانهم بمواقفهم الوطنية والإسلامية، فقد حرضت صداماً المجرم على شن الحرب ضد إيران لضرب الشعبين الجارين المسلمين، ومن أجل السيطرة عليهماوالتحكم بمستقبلهما بسهولة ويسر.
وبعد فشل أمريكا في تحقيق ماكانت تصبو إليه، أخذت تفكر بطريقة أخرى، فما انتهت الحرب العراقية - الإيرانية حتى أدخلت العراق بمأزق جديد لا سبيل للخروج منه، وهو تحريضها له على احتلال الكويت، وجاء دور الحصار الاقتصادي وتجويع الشعب وقد أخذ الفقر والعوز من الشعب مأخذا كبيرا، ضاقت فيه السبل على العراقيين، فراحوا يجوبون البلدان بحثاً عن لقمة العيش، ووصلت المجاعة والحرمان إلى حد أكل العراقيون النوى ونبات البرية، وكل هذا يحدث دون أن يرف لأمريكا جفن، ولم يتحرك ضمير الأمم المتحدة، ولا ينبس دعاة حقوق الإنسان ببنت شفة.
ونتيجة لهذا الضغط النفسي وتجويع الأطفال والشيوخ والمرضى، فقد وصل الحال ببعض العراقيين - ممن لا يمتلكون الصبر الكافي - ليتمنوا أن يحكمهم أمريكي أو إسرائيلي بدلاً من صدام. وعندما أيقنت أمريكا بأن أغلبية الشعب متذمر من الحالة المعيشية هذه، نفذت مخططها الخبيث واحتلت العراق ونهبت خيراته، ودمرت مؤسساته بحجة تحرير العراقيين من الديكتاتورية. ولم تكتفِ بهذا، فقد أدخلت بعد ذلك التنظيم الإرهابي (داعش) عبر عملائها في الداخل والخارج، وسالت انهار من الدماء فضلاً على الخسائر المادية التي انهكت البلد الذي مرّ بأسوأ ظروف العيش نتيجة لما تقدم.
وقد حاولت أمريكا مراراً وتكرارا تخريب العملية السياسية التي خططت لها المرجعية وأسست بنيانها على غير رضىً من أمريكا وعكس مخططاتها الاستعمارية.
ولما شعرت الولايات المتحدة الأمريكية بتوجه رئيس الوزراء السابق وخروجه عن السير في مدارها وعدم تنفيذ أوامرها، أججت الشارع العراقي ضده مستغلة الأوضاع السيئة التي يمر بها البلد نتيجة الحروب والخسائر المادية والبشرية، وتم لها ما أرادت، وجاءت بشخص يعمل ضمن مخططاتها، فقد نسف مذكرة التفاهم العملاقة مع الصين، وأصبحت الإتفاقية مع مصر، التي تعيش على المساعدات الأمريكية، محلها وتكبيل العراق باتفاقيات تجر الويل والثبور على العراقيين من خلال التفاهم العراقي - المصري - الأردني المفروض أمريكيا على العراق، ومذكرة التفاهم هذه تشير بطريقة وبأخرى إلى التطبيع غير المباشر مع الكيان الصهيوني. ومن جانب آخر، فهناك مخطط لمنح السعودية موطئ قدم على طول الحدود معها بحجة الإستثمار الذي لا تنطلي مآربه على الطفل الصغير فضلاً على العقلاء .
والآن ،وبعد إغراق البلاد بالديون وبعثرة أمواله بين الفاسدين، فقد أصبح العراق - ثاني بلد مصدِّر للنفط - يستجدي الأموال من الدول، بل لا يستطع حتى تسديد رواتب موظفيه، وهو مصدر الخير الوفير على بلدان العالم، فتارة يفكر بالاقتراض وتارة بالتنازل عن اجزاء من الأراضي العراقية وأخرى من خلال رهن سيادة البلاد باتفاقيات لا تغني ولا تسمن من جوع.
وجميع ما تقدم هو من أجل تكبيل العراق بديون خارجية لا قِبَل للعراقيين بها، ومن ثم تجويعه ثانية من أجل تركيعه - إن استطاعوا - حتى يصل العراقيون إلى مرحلة من التذمر يقبلون بما هو مخطط لهم من الانضمام لما يسمى بصفقة القرن، واتفاق (ابراهام) كما يطلق عليه الرئيس الأمريكي، والقبول بالتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب.
لذا، فكان لزاماً على الأحرار والوطنيين العراقيين، الحذر الشديد والإنتباه إلى ما يحاك ضدهم، الوقوف بوجه المخططات الخبيثة قبل فوات الأوان، والانتباه إلى أن من ينفذ مخططاتهم المشؤومة ليس عنهم بغريب، وأني لكم من الناصحين.