د. عليّ الدّلفيّ ||
كتبَ الشّيخُ حيدر حبّ الله أستاذُ الحوزةِ العلميّةِ في قم المُقدّسةِ مقالًا مُهمًّا جدًّا من وجهةِ نظري بخصوصِ أصولِ المعرفةِ الدّينيّةِ ودراستها في الجامعاتِ الإنسانيّةِ باعتبارِ أنَّ الدِّينَ جزءٌ مِنَ الإنسانِ ومحطُّ اهتمامِهِ والمؤثّرُ الرّئيسُ في تكوينِ شخصيّتهِ واستقامتِهِ؛ وبالخصوصِ شريحةِ الشّبابِ جاءَ العنوانُ موسومًا بـ:
(الجامعيّونَ أيضًا معنيّونَ بالدراساتِ الدّينيّةِ)
استهلّهُ بالحديثِ عَنْ دراسةِ الدّينِ في الحوزاتِ العلميّةِ؛ والمعاهدِ والجامعاتِ الدّينيّةِ بوصفها الجهّة المُختصّة بالدّراساتِ الدّينيّةِ، وَمِنْ ثمَّ فالدّراساتُ الدّينيّةُ هي وظيفةُ المُنتسبينَ لهذهِ المؤسّساتِ والمدارسِ والجامعاتِ.
ثُمَّ تحدّثَ عنْ أهمِّ شريحةٍ إنسانيّةٍ في المُجتمعِ؛ وهي (شريحةَ الشّبابِ المؤمنِ) وأشارَ بوضوحٍ إلىٰ إمكانيّةِ أنْ تدخلَ في دائرةِ الدّراساتِ الدّينيّةِ رغمَ عدمِ انتسابها لهذهِ المؤسّساتِ الدّينيّةِ التّعليميّةِ، وهي؛ في الغالبِ؛ الشّريحةُ المعنيّةُ بدراسةِ العلومِ الإنسانيّةِ، كعلومِ النَّفس؛ والاجتماعِ؛ والسّياسةِ؛ والانثروبولوجيا؛ والتّاريخِ؛ والآثارِ؛ والحفرياتِ؛ واللُّغةِ؛ والأدبِ؛ والفنِّ؛ والموسيقى؛ والقانونِ؛ والأديانِ المقارنةِ؛ والإعلامِ؛ والفلسفةِ بفروعها، فهذهِ العلومُ بمقدورها؛ اليوم؛ أنْ تتناولَ القضايا الدّينيّةَ مِنْ منظورها.
ما عناهُ هو أنّ جيلًا منَ الشّبابِ الجامعيّ المؤمنِ يمكنهُ أنْ يقدّمَ مساهماتهُ في فهمِ الدّينِ منْ هذهِ الزّوايا التّخصصيّةِ، مُحاولًا تحقيقَ هدفينِ:
١/ إثراءُ السّاحةِ الدّينيّةِ بدراساتٍ حولَ الدّينِ منْ زوايا لا تَعرفُ أغلبَها في العادةِ الحوزاتُ العلميّةُ؛ لأنّها خارج اهتمامتها الأوّليّةِ وفقًا لبرامجها الدِّراسيّةِ.
٢/ مُحاولةُ تقديمِ قراءةٍ تجديديّةٍ للدّينِ منْ زاويةِ هذهِ العلومِ الإنسانيّةِ لا تسعىٰ لتصفيةِ حسابٍ معَ الدّينِ أو تنطلقُ منْ مصادرتِهِ ونفيهِ، بلْ تتعاملُ معهُ؛ في الحدِّ الأدنىٰ؛ بحياديّةٍ وانصافٍ.
بمعنىٰ آخرَ: لا نبتغي فرضَ أيديولوجيا دينيّةٍ علىٰ العلومِ الإنسانيّةِ؛ يقولُ حبُّ الله: (إنّني شخصيًّا لا أؤمنُ بمشروعِ أسلمةِ العلومِ بشكلهِ المتطرّفِ الذي يطرحُ اليوم في غيرِ مكانٍ!)، لكنّنا لا نقبلُ بفرضِ أيديولوجيا علمانيّةٍ عليها، فلتُتركَ الأبوابُ مفتوحةً في هذهِ العلومِ لمزيدٍ منَ التّطويرِ وتنوّعِ القراءاتِ.
ولهذا دعا حبُّ اللهِ طلبةَ الجامعاتِ في العلومِ الإنسانيّةِ (منَ الذين يؤمنونَ برسالةِ الدّينِ منْ حيثُ المبدأ) أنْ يقدّموا مساهماتهم؛ ويختاروا العناوينَ التي تطوّرُ الوعيَ الدّينيّ؛ وتقدّمُ قراءاتٍ بديلةً للدينِ في وسطِ العلومِ الإنسانيّةِ، فهم معنيّونَ بالدّراسةِ الدّينيّةِ من زاويةِ العلومِ الإنسانيّةِ. ويمكنُ عدُّ هذهِ المُمارسةِ ظيفةً إيمانيّةً تجمعُ بينَ إيمانهم وعلمهم دونَ تحيّزاتٍ مغلوطةٍ. (وما الدِّينُ إلّا بعضٌ مِنَ الإنسانِ)
يُذكرُ أنَّ الشيخَ حيدر حبّ الله كثيرًا ما كانَ ولا زالَ يدعو طلبةَ الحوزاتِ الدِّينيّةِ إلىٰ أنْ يلتحقوا بالجامعاتِ أيضًا؛ ليسَ لأجلِ عُقدةٍ كما يتصوّرُ (بعضُنا)، بلْ لأنّه لا يمكنُ اليومَ تحقيقُ استمراريّةِ دراسةِ الدّينِ دونَ وجودِ أجيالٍ شبابيّةٍ جامعيّةٍ مُتخصّصةٍ داخلَ الحوزاتِ العلميّةِ، هذا كلّه شرطَ أنْ تكونَ الجامعاتُ التي ينتسبونَ إليها جامعاتٍ مُنفصلةً عن الحوزةِ؛ بمعنى أنّها ليستْ في جوهرها حوزات؛ فهذا لن يخدمنا؛ لأنّه ليسَ المُهمُّ لنا هو العناوينُ والمناصبُ (دكتور؛ بروفيسور)؛ بلْ المُحتوىٰ؛ المُحتوىٰ الذي يعرّفني علىٰ العلومِ الإنسانيّةِ الحديثةِ منْ أصولها؛ وجوهرها؛ وداخلها؛ وفضائها الفكريّ؛ ومناخها الثّقافيّ؛ ومحتواها المعرفيّ.
بعض طلبتي الأعزّاء
https://telegram.me/buratha