أ.د علي الدلفي ||
عندما وصلَ الطّغيانُ بصدّامٍ (لعنةُ اللهِ عليهِ)؛ أنْ يهدّدَ حياةَ الإمامِ السّيّدِ أبي القاسمِ الخوئيّ (قدّس سرّه)؛ قال له بعضُ العلماءِ المشاورينَ له وبعضُ وتلاميذهِ: (سيِّدنا ربّما من الأصلح أنْ تسافروا إلى إيران وهناك تستقرّون حتّى يهدأ الوضع)؛ فقـــالَ السّيّدُ أبو القاسم الخوئيّ: (هَلْ أخرجُ من النَّجفِ لَيُقالَ كانتْ هناك حوزة في النّجفِ بناها الطوسيّ وهدّمها الخوئيّ).
لَقَدْ عاشَ السّيّدُ الخوئيّ في وطنِهِ وَحْشةَ الغربةِ والعزلةِ والوحدةِ والإقامةِ الجبريّةِ؛ وابتعادِ النّاسِ عن حوزتها العلميّةِ وعزلها عن المجتمعِ؛ إنّها عيشة السّجن الانفراديّ في تلك المرحلة العصيبة من تاريخ العراق الحديث؛ ومع ذلك كلّه رفضَ مغادرة النّجف الأشرف مدينة جدّه الإمام عليّ (عليه السّلام)..
وما يحدثُ في وطننا العزيز؛ في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه الحاضر؛ من أحداثٍ قد سبقت التّظاهرات "السّلميّة" وما رافقتها من أعمال؛ هي مُحاولةٌ لإبعادِ المرجعيّةِ الدِّينيّةِ العُليا وخطابها التّفاعليّ والإيصاليّ بالمجتمعِ العراقيّ عن الواقع: الاجتماعيّ؛ والسّياسيّ؛ والتّوعويّ؛ والإرشاديّ؛ والوعظيّ؛ والإقناعيّ؛ والتّضامنيّ؛ والإعلاميّ؛ والتّحذيريّ؛ والرّقابيّ بأنواعه...إلى آخره.
وتجريدها من الخطاب الاجتماعيّ النّهضويّ الذي يدورُ حول قضيةِ النّهضة عامّةً والتّجديد الفكريّ والثّقافيّ خاصّةً.
وأستطيعُ أنْ أجزمَ أنَّ آيةَ اللهِ العظمىٰ سماحةَ السَّيِّدِ السّيستانيّ (دام ظلّه) ليس أوّلَ من مدَّ جسورَ التّواصلِ الإنسانيّ بأنواعهِ المتعدّدةِ والكثيرةِ مع المجتمع العراقيّ؛ ولكنْ هو أوّل من رعىٰ عمليةً سياسيّةً معقّدةً وُلِدت من رحمِ الاحتلالِ؛ وهو أوّلُ من صفعَ الأمريكان ومن معهم؛ واستطاع أنْ يحافظَ علىٰ ملامحِ المذهبِ وعلاقته الوطنيّة المتينة بالمذاهبِ والأديانِ والقوميّاتِ الأخرى؛ وهو أوّلُ من دعا إلى كتابة دستورٍ عراقيّ بعيدًا عن تدخّلاتِ الخارج والقوىٰ الإستعماريّة؛ وهو أوّل من دعا إلى إقامةِ انتخاباتٍ وطنيّةٍ..... وهو أوّلُ من كان يفكّر بالوطنِ العراقيَ الحرّ المستقلّ بعيدًا عن كلّ التّجاذباتِ الدّاخليّة والخارجيّةِ... وهو أوّلُ من قضى على الفتنِ وتخليص البلاد من شبحِ الحربِ الأهليّةِ. ولا ننسى فتوىٰ الجهاد الكفائيّ؛ وما أنتجته من ح.ش.دٍ جرّارٍ استطاع أنْ يقضي علىٰ كلّ مخطّطاتِ الخارج؛ إنّه ح.ش.د السّيّد ح.ش.دنا الشّعبيّ الذي أرغم أنف د.ا.ع.ش ومن خلفهم في الوحل.. وهذا غيض من فيض ما قدّمه للشعبِ العراقيّ جميعًا؛ ولا غرابة فهو (مرجِعُ الوطــــن).
وبزيارةِ البابا له اتّضح للجميعِ أنَّ سماحةَ السَّيِّد السّيستانيّ أقوىٰ شخصيّة في العالم لما يمتلكه من إيمانٍ مطلقٍ وحبٍّ لا يوصف للإنسانيّةِ جمعاء وللعراقيّين والعراقِ على وجه الخصوص؛ لهذا فهو يمثّلُ خطرًا حقيقيًّا ودائمًا علىٰ مصالحِ الدّولِ الكبرىٰ والقوىٰ الاستعماريّة.
لَقَدْ خطّطتِ القوىٰ الإقليميّة الحاكمة؛ والدّول الكبرىٰ بناءً على حمايةِ مصالحِ (الصّ. هـ. يونيّة) وأصدقائها في منطقة الشّرق الأوسط؛ لأنْ تبعده عن الشّارعِ العراقيّ الذي طالما آمنَ به ولجأ إليه في أشدّ الأوقاتِ ضيقًا وخوفًا؛ مُنْذُ (٢٠٠٣) إلىٰ يومنا هذا؛ فهو (الحاميّ؛ والحلّال؛ والمُقدّس)؛ وستبقىٰ مخطّطاتهم أضغاث أحلامٍ؛ ما دام السِّيستانيّ فينا.
https://telegram.me/buratha