المقالات

زوجتي وديناري.. ودولارهم


رضوان ناصر العسكري

دخلت غرفتي كأني سارق يخاف أن يكشف، وهو يسترق النظر ويتلصص، لكي لا تزل قدمي فتدوس أطراف زوجتي التي انهكها التعب، فافسد عليها نومها رأفةً بها.. ولسوء حظي فما احسست بحالى الا وانا أطير صاعد واعود مرميا الى الارض، معانقاً قدر ماء ساخن قد نزلت فيه قدمي..

ما ان سقطت على الارض حتى انهالت علي ضربات عصى كانت تسند باب الغرفة، وكانت سلاح زوجتي ضد الجرذان التي تخاف أن تقضم اذن او انف طفلي.. واستمرت تضربني بقسوة، وهي تصرخ بصوتٍ عالي: ماذا تريد ان تسرق ايها الابله؟ فما عاد لدينا ما يسرق، فلا (حصة التموينية) منذ اشهر، ولا مال لدينا.. ومن شدة ألمي وفزعي بدأت اصرخ يا مجنونة لست لصاً، انا زوجك.. وبعد ضرب مبرح، رأيت المنقذ (امي) تجرها من شعرها وهي تصيح اتركي ابني، توقفت مندهشة مفزوعة وقالت: كيف اعرفه وهو يدخل علي كاللص!

عاد الهدوء للبيت، وكل الى غرفته عاد، استلقيت على وسادتي وقد تملكني الم الماء الساخن وضربات زوجتي، وانا على هذا الحال، بدأ الطفل بالصراخ قالت: انه على هذا الحال منذ الصباح ولم اخبرك، يعاني من المغص الشديد، وقد استقرضت من زوجت اخيك الفي دينار واخذته للعيادة الشعبية التي لا يوجد فيها غير ممرض قديم، ناولني ورقة كتب فيها اسم دواء، وقال اشتري هذا من الصيدلية الاهلية، فلا يوجد لدينا أي دواء، فلم اشتريه لأنني لا املك ثمنه، وها انا استمر بأعطائه الماء الدافئ عسى ان ينفعه.

اصبح الصباح وهممت بالخروج هربا مما أنا فيه، نادتني اشتري حليب لطفلك اذا عدت، فتحت الباب واذا بموظف دائرة الماء والمجاري يستقبلني قائلاً، منذ ان سكنت هذه الدار وانت لم تدفع اجور الماء والمجاري... فقلت له يا اخي اين هو الماء واين هي المجاري؟ فهل تسمي تلك المستنقعات مجاري؟! فقال انا موظف وما شأني؛ سألته هل تدفع انت ما تطالبني به؟ قال لا اخفيك سراً لم ادفع منذ سنة، فقلت له لديك راتب ولم تدفع، فكيف بي انا لا املك راتب ولا عمل! فقال اخي هل تسمي الاجر اليومي راتباً؟! أتعلم ان ما استلمه لا يكفيني اسبوع! ثق ما اتقاضاه لا يساوي رصيد هاتف ابن مسؤول حكومي لشهر بل أقل..

تركته واخذت اسير في الزقاق كالثعلب المتخفي، لكي لا يراني جاري صاحب الدكان، الذي وبدخوله داره تاركاً ابنه الصغير في الدكان، منحني فرصة غريبة، فقلت في نفسي لاستغلها، فأسرعت نحو الصغير، وطلبت منه ان يناولني علبة الحليب ويضعها في سجل الديون، الذي لم اسدده منذ ثلاثة اشهر، واعطيتها لزوجتي من الباب واسرعت قبل خروجه.

وصلت الى "بسطة" الخردوات خاصتي، رفعت عنها الغطاء، واخذت افرق حاجاتها عن بعضها البعض، عسى ان يأتي احد ويجد فيها ما يشتريه، رغم أن ذلك مستبعد.. وانا على هذا الحال حتى وقف احدهم منتصباً ينظر لخردتي ويقلبها بطرفه، جلس واخذ يعزل بعض الاشياء التي أعرف أن لا قيمة لها، وسألني كم سعر تلك الاغراض؟ قلت في نفسي لأرفع السعر قليلاً، لأصرفه فهو جاء يتسلى بي ولن يشتريها، فأجبته بسبعة آلاف دينار، نظر الي مبتسماً، ولدهشتي مد يده في جيبه واخرج عشرة آلاف دينار، وقال خذ وارجع لي الباقي، وانا بين مصدق ذلك ومكذبه مسرعاً ابحث عن من يصرفها لي لأرد بقية مبلغه، وارجعت له ثلاثة آلاف وشكرته وحمدت ربي في داخلي..

جمع الرجل الاغراض التافهة التي اشتراها وذهب، عدت الى صاحب الدكان اجلب السبعة آلاف المتبقية لديه، واذ ارى الرجل الذي اشترى مني، ودون أن يراني يرمي الخردة في حاوية النفايات، فدهشت واسرعت اليه اسأله عن السبب، فقال وهل تعتقد ان ما بعتني اياه ينفع في شيء؟ فقلت اعلم ذلك، لكن لا حيلة لي، فقال اشتريتها رأفةً بحالك لا اكثر..

حينها اغرورقت عيناي بالدموع شفقة على نفسي.. قال لي لا تحزن كل ما نحن فيه من ايدينا، لأننا اخترنا الفاسدين والسراق ونصبناهم فوق رؤوسنا، ومازالوا يكذبون.

تعلم ان الفاسدين خدعونا؟ عندما اشاعوا للناس عدم المشاركة بالانتخابات ودفعوا اتباعهم لانتخابهم، واستحوذوا على برلمان مشلول وحولوه الى مزادات للفساد، يبيعون ويشترون بنا ونحن غدونا كالجالس على كومة قش، والماء يتسرب من تحته وهو لا يشعر، ثم جعلوا من اتباعهم ابواقاً للدفاع عن فسادهم، فيجملون الفساد وينمقونه، ويشتمون الخيرين ويكيلون لهم التهم والكذب والتدليس، ويقفون كالدروع حماةً للفاسدين من محاسبتهم ومسائلتهم.

يرفعون سعر الدولار ويسرقون الشعب، ويقولون انه من اجل الفقير، هل اعطوك شيءً من ذلك؟ كلا لن يعطوك، رفعوا سعر الدولار كي يبيعوا ما عندهم من عملة صعبة بأغلى الاثمان، ثم يخفضوه للأدنى فيشترون ما باعوه، كي يسرقوننا مرةً اخرى.

نحن لا شغل لدينا غير الكلام والملامة لأنفسنا، لكن هل سنتعض؟ لا اظن.. سيبحثون عن ابواب جديدة للسرقة، وسيحتالون علينا بقصص وروايات جديدة ونحن كما نحن، نشتمهم ونندب انفسنا، نلعنهم امام الملاء ونتملق لهم ان صادفونا.

هل رأيت الشعب انتفض عليهم وقال ارجعوا لنا دينارنا؟ وخذوا انتم دولاركم واتركونا في حال سبيلنا نصارع الحياة التي سرقتم منها كل ما هو جميل, لن ننتفض ولن نتظاهر عليهم, لأن الذين خلفهم يريدوننا ان نكون اجساد بلا حياة, ورؤوس بلا عقول, نشتمهم ونلعنهم ثم نصدق اقوالهم، فهل رأيت من هو اكثر جهلاً وسذاجةً منا؟! قطعاً لا، فنحن نموت ليحيا الزعيم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك