المقالات

الوعود والإيفاء بها


 

علي علي ||

 

 الإيفاء بالمواعيد، والالتزام بتنفيذها، خصلة تضاف الى الخصال الحميدة التي من المفترض أن يتحلى بها الإنسان السوي، لاسيما إذا كان الموعودون رعية يتحتم على الراعي مداراة واجباته تجاههم، فهو أولا وأخيرا مسؤول عن رعيته. ولايخفى أن العراقيين قد تعودوا على عدم الاكتراث بمواعيد ساستهم التي يعدونهم بها لإنجاز أمر يهم مصلحة البلاد والعباد، حتى غدت خصلة البخل بالإيفاء سمة بارزة يتسم بها ساسة عراقنا الجديد، وما مجلس نوابنا في دوراته الثلاث إلا خير مثال على الضن بالوفاء، والتفاخر بالبخل الى حد استصرخ المواطن طيلة السنوات العشر الأخيرة، حتى بات يناشد أعضاءه -فضلا عن رؤسائه- ببيت الشعر:

لاتدعني ككمون بمزرعة                 

            إن فاته الماء أغنته المواعيد

 وقد وصل المواطن الى يقين تام بأن التأخير في تنفيذ الوعود ليس عفويا، ولا مصادفة، ولا ظرفا طارئا، بل هو مقصود ومتعمد. وقد مل العراقيون سماع مفردات التصبير والتطمين الكاذبة التي يواري الساسة بها أخطاءهم، ولطالما كانت سياسات النظام السابق الشماعة التي يعلق عليها السياسي تقصيره وتماهله وإهماله وتلكؤه، ويتضح لأي متتبع للأخبار السياسية في عراق مابعد عام 2003، ان تلك المفردات تشعبت كثيرا في خطابات الساسة والمسؤولين وتصريحاتهم في دورات مجالسنا السابقة، فكانت الكلمات المستخدمة والجارية على ألسنتهم، محفوظة واسطوانة مشروخة في أذن المواطن، فكأنهم قرروا وعزموا على ان لايقدموا شيئا يخدم البلاد والعباد، مقابل أعذار جاهزة، وهم ظنوا ان اتباعهم هذا السلوك في التملص من إتمام المسؤوليات الملقاة على عاتقهم، ينجيهم من وضعهم في قفص الاتهام عاجلا او آجلا، وقطعا هذا ناتج عن أمنهم واطمئنانهم من سوء العاقبة والعقاب، فقد قيل سابقا؛ (من أمن العقاب ساء الأدب). فكأن المماطلة والتسويف في المواعيد والعهود، صار ديدن من يتبوأ مقعدا في منصب حساس، لاسيما مناصب صنع القرار والبت فيه وتشريع مايخدم المواطن والمصلحة العامة. في الوقت الذي كان حريا بمن يتسنم موقعا كهذا، ان يسخِّر طاقاته لاختزال مايمكن اختزاله من الزمن، من أجل اللحاق بالأمم التي سبقتنا بالتحضر زمانا ومكانا ومكانة. اليوم ونحن كما نقول (ولد اليوم) لدينا ساسة منتخبون في بلد يزعم أنه ديمقراطي، ومن المفترض ان يخرجوا من صومعة سلبيات من سبقهم، وعليهم استبدال الطالح من الأعمال بالصالح منها، وكذلك السيئ بالجيد، و (الشين بالزين)، وأن لايبخلوا على مواطنيهم بإتمام ماوعدوهم به، فهل هم فاعلون هذا؟ وهل يغيرون الصورة الموحشة التي تعكس بخل السابقين على المواطن حتى بالإيفاء بقسمهم على أتم وجه؟

  يذكرني بخل ساستنا بأداء كل شيء -حتى واجبهم- بنادرة رويت عن أحد البخلاء، الذي نزل عنده ضيف يوما، فنادى ولده قائلا: يابني، اذهب الى السوق واجلب لنا أحسن قطعة لحم عند الجزار، فاليوم حل عندنا ضيف عزيز على قلبي. فذهب الولد الى السوق، والضيف متأمل عودته بفارغ الصبر والجوع يأخذ منه مأخذه. وبعد مضي وقت طويل رجع الابن.. ويداه خاليتان، فسأله أبوه: أين اللحم ياولدي؟ قال الولد -والضيف يسمع- : ياأبتِ قلت للجزار: أعطني أحسن ما عندك من اللحم، قال لي: سأعطيك لحما كأنه زبدة. فشاورت عقلي: لِمَ لاأشتري الزبدة بدل اللحم؟ فرحت للبقال وقلت له: أعطني أحسن ما عندك من زبدة. قال لي البقال: سأعطيك زبدة كأنها دبس من حلاوتها. وشاورت عقلي أيضا: إذا كان الأمر هكذا.. لِمَ لاأشتري الدبس بدل الزبدة؟ فرحت لراعي الدبس وقلت له: أعطني أحسن ما عندك من الدبس. فقال الرجل: سأعطيك  دبسا كأنه الماء الصافي. فقلت لنفسي: لِمَ التبذير؟! عندنا ماء صافٍ في البيت، لذا رجعت من دون أن أشتري شيئا.

 أظن ساستنا القابعين في مجالس البلد الثلاث قد نحوا منحى ابن صاحبنا، ولن يفوا في المستقبل بشيء مما يعدون به، بشهادة ماضي الأحداث وحاضرها.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك