المقالات

فوضى التغيير والاستقرار


     

علاء الطائي ||

 

نقف على مشارف طي صفحة السنة الثامنة عشر على التغيير الذي حصل في العراق فى التاسع من نيسان ٢٠٠٣ ويبدوا تقديم قراءة واضحة لحصاد السنوات الثامنة عشر من العمل السياسي مهمة شاقة، نظراً لما حملته هذه من تحولات، وما حفلت به من إشكالات

بعضها إنتهى او يكاد وبعضها الآخر، مازال حاضراً بقوة

وقد كان الهدف المنشود الذي يفترض أن سعى من أجله

الكيانات السياسية ، هو تشكيل السلطة السياسية التي تضطلع بعملية إعادة بناء الدولة العراقية، التي شوهها وأنهكت سياسة النظام البائد المواطن العراقي بعد ان ادخلته مرثونية الحروب والموت والمآسي طيلة ثلاث عقود ونيف، ماأثر سلباً على وضعه المعاشي وتردي منظومة الخدمات التي يحتاجها، فضلاً عن إنهيار البنية التحتية

ومع سقوط الصنم وبزوغ فجر جديد، لم يخرج المواطن سوى بميراث من الأماني المؤجلة التي وان تعددت أوجهها تحمل مضموناً واحداً يؤمن له حياة كريمة وآمنة في بلد يعد من أغنى دول العالم، ومع بساطة أمانيه فإن (١٨)عاماً عجزت عن تحقيقها، أما السبب فتارة كان يوعز بالاوضاع الامنية واخرى إلى الخلافات السياسية. وغيرها من التبريرات الجاهزة لليوم

إن أخطر ماحملته عملية تشكيل السلطة واجهز عليها بريمر، هو أنها تشكلت

في ظل الفوضى العامة التي أنتجتها إستراتيجية (الفوضى الخلاقة) التي قادها الأمريكان بعقلية ارتكزت بالأساس على رؤية دينية تتمركز في العراق كي تعيد صياغة الشرق الأوسط، وبالتالي لها الحق في دور المهيمن والمتفرد على شعوب المنطقة وفي أعقاب(٣٥)عاماً من الكبت والمصادرة والقمع السياسي والفكري الذي لم يفر أحد أو جهة من سياقه الذي سحق كل شي،وقد تمكنت أمريكا من خلق وضعاً غير مستقر في العراق وكان من نتائج التأسيس أن علقت بالشكل الجديد للسلطة الكثير من إفرازات تلك الفوضى، بدأً من الدستور الذي كتب تحت ظلال الشكوك والتخوفات وشبح الماضي.

لقد أدى وجود الاحتلال إلى ايجاد رؤيتان واختلاطهما على الجميع عندما تعرض المناخ السياسي (كظاهرة حضارية) إلى نوع من التجريح، فيما تعرضت المقاومة

(كطلب مشروع خططته القوانين الدولية) إلى شتى الوان التشويه والنخر المتعمد

ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من التشكيل بولادة طبيعية حتى تحتاج الى عملية قيصرية وبعد مخاضات عسيرة، شلت مفاصل العملية السياسية نتيجة لتقاطعات رؤى مكوناتها، حتى تطبخ داخل غرفة العناية المركزة، والتي لم تخرج منها إلا بتوافق أو بالأحرى إتفاق سياسي لاعلاقة له بالدستور ومواده.. مما يفضي إلى حكومة شراكة وطنية بين جميع المكونات الفائزة وعلى امتداد المراحل الانتخابية الاربعة

وبعد أن تمكنت حكومة (المالكي) الأولى  من دفع خطر الحرب الأهلية الذي كان محدقاً بالعراق.

إن كل ماتم تأسيسه على عجل في ظل الفوضى أصبح يشكل طوقاً خانقاً على الحياة العامة، ويعيق حركة أية حكومة ويشل نشاطها، وفاعليتها ويحبط مساعيها لتأسيس دولة مؤسسات حيوية وناجحة على الأصعدة كافة، وما يزيد من الآثار المترتبة على البناء الهش للدولة العراقية، هو ان العملية السياسية وبعد مرور (١٨)عاماً

على التغيير، مازالت غير مستقرة وذات تركيبة غير متوازنة، وتفتقر إلى فلسفة سياسية منسجمة، وذات تركيبة متصارعة، وتوجهات مختلفة وأجندات متناحرة، و أطرافها مشغولون في عملية استنزاف مستمرة، فضلاً عن عدم وجود ثقة متبادلة بين أطراف هذه العملية، المنشطرة والمتشطية الأمر الذي زاد من تأرجحها بين المد والجزر، ماإنعكس بالسلب على الشارع العراقي.

فاالسنة الذين قاطعوا العملية السياسية في البداية وعاد قسم كبير منهم إليها، لايزالون يشعرون بأنهم مهمشون ويحسبون على تركة النظام البائد، فيما القسم الآخر

فيرى ان أي عملية سياسية تقام في ظل الاحتلال تبقى عرجاء ولاتخدم في النهاية سوى المحتل.

أما الأكراد فيرون ان ما حققوه من إنجازات وما نالوه من امتيازات بعد سقوط النظام البائد أصبح مهدداً بالمصادرة بعد تغيير الحقائق على الأرض والاشارات التي أرسلتها الحكومات الأولى بأنها تسعى إلى بناء عراق موحد وقوي من خلال تعزيز سلطة المركز

ولازالت نقاط الاختلاف بين إقليم كردستان والحكومة المركزية، اكثر من نقاط الاتفاق، وهي خلافات تتمحور

حول مسائل عدة، منها النفط والموازنة والمناطق المتنازع عليها فضلاً عن نشر قوات الحشد على شريط المناطق المتنازع عليها، التي تعدها القيادات الكردية بأنها محاولات لزرع بذور الفتنة واللعب بالنار

ان العديد من النقاط الخلافية ماتزال دون حل بين الإقليم والمركز، وأهمها عقود النفط التي وقعتها حكومة الإقليم مع شركات عالمية ورفضها المركز، والمخصصات المالية لقوات (البيشمرگه) الذي يرفض المركز دفع نفقاتها وتجهيزاتها ورواتبها من الخزينة المركزية وهي في نفس الوقت لاسلطة للمركز عليها، بالإضافة إلى الدعوات بين الحين الآخر بشأن تعديل الدستور أن هذه الأمور تهدد بنسف العملية السياسية اذا لم تحل بطريقة عقلانية.

ووسط تناقضات مشهد العملية السياسية العراقية بكل صورها واشكالها، طالما مادفع ثمنها المواطن العراقي خلال السنوات المنصرمة، وأصبح العراقيون على يقين أن الصراع بين الأحزاب والكتل، هو صراع سياسي يهدف إلى الحصول على المغانم والمكاسب والفوز بالمواقع القيادية..

ووسط كل ذلك لازالت الولايات المتحدة الأمريكية اللاعب الأهم على الساحة العراقية ليس فقط بفعل وجوده داخل العراق، وإنما بسبب مصالحه الكبيرة لان العراق بالنسبة للأمريكان يشكل مفردة مهمة واساسية من مفردات الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

لقد اتسم الدور الامريكي في العراق تارة بالمرونة في التعامل مع قضايا الساحة العراقية، واعتماد اسلوب الدعوة والنصح، وممارسة الضغوط المباشرة تارة أخرى لتحقيق الرؤية في الملفات السياسية والامنية والإقتصادية، وقد برزت المرونة بصورة واضحة في صياغة الاتفاقية العراقية _الأمريكية التي تعد واحدة من أفضل الاتفاقات التي عقدتها الولايات المتحدة مع دول العالم.

وعلى رغم من النجاح في التعامل مع ملف العلاقات مع الولايات المتحدة، إلا أن علاقات العراق بدول الجوار مازالت حتى الوقت الراهن تعيش حالة قلقة ولم تنتهي حيث نشهد العلاقة مع تركيا تزداد تعقيداً بسبب التجاذبات التي تحصل مع بعض القوى الكردية

وإذا كان الإرهاب قد شكل التحدي الأكبر للحكومات المتعاقبة، فإن ملف الخدمات العامة بدوره شكل تحدياً جدياً واحراجاً متواصلاً.

ولازال القاسم المشترك الذي يجمع العراقيين هو الحديث عن غياب الخدمات والفساد المالي وسوء الأوضاع الصحية والاقتصادية

والأمر اللافت (المضحك المبكي) إن غالبية المسؤولين في الحكومات المتعاقبة وأعضاء النواب العراقي  يشاركون المواطنين هذه الأحاديث ويعترفون بسوء الخدمات والازمات الاقتصادية والامنية ووجود ملفات متراكمة من الفساد المالي والانقسامات السياسية .

وبعد كل هذه السنوات لم يلمس المواطن ديمقراطية حقيقية، فهو يعاني للان إقتصاد سيء للغاية، وغياب جميع الخدمات وفوق هذا فإن العراق هو على رأس قائمة الدول في موضوع الفساد المالي

والمسؤولون يسرقون بالملايين أموال الشعب ولا يحاسبهم أحد.

إن بناء دولة مؤسسات منسجمة في أدائها، خالية من

المحاصصة الفئوية والطائفية والقومية، يشكل عامل قوة لتلك المؤسسات ويحسم الصراع لصالح استمرارها

وأدائها، وتحول دون إضعافها واستنزافها في صراع المصالح الفوضوي، بحيث تمثل هذه النظرة الأساس المتين لأي سلوك ورؤية استراتيجية واضحة لمستقبل هذا البلد، الذي مزقته الحروب

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك