مالك العظماوي ||
سوء التصرف والنظرة القاصرة للأحداث قد تكلف الإنسان أشياء هو بغنى عنها، وقد تفقده بعض الصداقات وتخلق له أعداء بلا أدنى سبب.
ونحن نعيش ما بعد سقوط الديكتاتورية في العراق، وأغلب أتباع أهل البيت عليهم السلام مصدقون بأنهم إستلموا مقاليد الحكم، أو هكذا يتخيل لهم، فضلاً عن الإعلام الإقليمي والعالمي ليرسخ فكرة أن الحكم بيد الشيعة!
ولشعور الشيعة بالدونية والنقص تراهم لا يجرأون أن يقولوا للمخطئ من الشركاء في العملية السياسية أنت على خطأ، وتراهم حتى في عدم رضاهم عن سير إدارة الدولة، يصبون نقدهم اللاذع على قادة الشيعة فحسب، وهم يعلمون بأن سبب بعض الأخطاء هم الشركاء أو الرضوخ إلى ضغوطاتهم، كما حدث في تظاهرات الشباب في العام ٢٠٢٠ ولم ينبس أحد ببنت شفة عن أخطاء وتجاوزات وإهانة الدولة والعمالة للأجنبي من قبل الشركاء الآخرين، وكأن الساسة الشيعة هم أهل الحل والعقد، والحقيقة أنهم غارقون في الجبن والانبطاح والسرقات والفساد بكل أنواعه.
والحقيقة أيضاً هي عكس ذلك تماماً، لأنهم لديهم قسم من الحكم كما لغيرهم، والنجاح في إدارة البلاد يحتسب للجميع، أما الأخطاء والسرقات وسوء الإدارة كلها هم المسؤولون عنها، وذلك لكونهم أصحاب الحكم كما يصوره الإعلام، وهم لا يملكون سوى رئاسة الوزراء الذي هو مكبل بإتفاقات وتوافقات وشروط الشركاء الآخرين لكي يتفقوا على تسميته رئيسا للوزراء!
ونتيجة لهذه الإكذوبة التي صدقها (الشيعة) قبل غيرهم، والتي خدعت بعضاً منهم وراح يتصرف بأنه هو الآمر الناهي وراح يتحدث عما يعبر عن رغباته، ومن هذه الرغبات هو إزالة تمثال (أبو جعفر المنصور)، الخليفة العباسي الذي بنى بغداد التي أصبحت حاضرة الثقافة والشعر والأدب، ومنزل العلم والعلماء، ودار طلبة العلم والدراسة والفنون بأنواعها! كما كانت له يداً في سفك دماء أئمة أهل البيت عليهم السلام. وهنا لا نريد أن نبرر له جريمته، ولا نقلل من أهميتها، لكنه ترك أثراً مهماً في التأريخ وكانت مدينة بغداد ودار السلام شاخصة على مر السنين وإلى يومنا هذا.
وهنا لابد لنا أن نشير إلى خطأ هذه الدعوة، التي ستخلق لنا أعداءً بدون أن نحقق شيئاً مما نصبوا إليه، لأنه وكما ذكرنا أن الأمر ليس بيدنا، والقرار ليس قرارنا لوحدنا، إضافة إلى مجموعة من الأسباب التي تثبت خطأ هذه الدعوة ومثيلاتها في المستقبل وهي:
أولاً: لم تكن السلطة المطلقة بيد الساسة الشيعة لوحدهم، كما هو الحال في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إذ تتحكم الأغلبية بمقاليد السلطة في البلاد بحكم منهج ولاية الفقيه، ويخضع لها جميع المواطنين الإيرانيين بمختلف طوائفهم ومعتقداتهم.
ثانيا: على الرغم من جرائم الخليفة العباسي ضد أئمة أهل البيت عليهم السلام، لكن هذا لا ينفي ما حققه من بناء وعمران وحضارة يشهد عليها القاصي والداني، ولو أردنا تحقيق رغبتنا في إزالة التمثال، فعلينا إزالة كافة الآثار التي قام ببنائها كإزالة الجامعة المستنصرية مثلاً! لا نهجم على التمثال ونزيله فحسب.
ثالثا: تنتهج البلدان المتحضرة والحية نهجاً بعيداً عن التطرف الذي يثير حفيظة شركاء الوطن، الذي من شأنه المحافظة على كافة الشواخص التاريخية وإن كان أصحابها قتلة ومجرمين، لأن المحافظة عليها يعني المحافظة على إرث شعبي ستذكره الأجيال، وعلى الشعوب تدريس أجيالها وتذكيرهم بجرائم اؤلئك المجرمين، وهذا ما فعلته إيران في قصور الشاه وكيف حولتها إلى متاحف ومراكز ثقافية يمكن من خلالها توضيح الدور السلبي الذي قام به ذلك الحاكم الظالم.