✒️عمر ناصر ||
لم يعرف انسان النياندرتال قيمة الطعام الا بعد ان اكتشف ان طعم اللحم يكون افضل بعد شواءه ولم يستطيع التمييز بين قيمة الاشياء الا بعد أن اجبرته الحاجة الى صنع ادواته بنفسه لكي يصارع بها من اجل البقاء ولكي يستمد منها ديمومة حياته فوجد نفسه مابين مطرقة التفكير المعمق في خلق الاشياء وسندان اتخاذ جراءة القرار ، كذلك الحال بالنسبة لاكثر الامور واقعية ومنطقية التي لايوجد فيها فسحة لفرض منطق القوة بينما يوجد فيها قانون يميّز او يعطي مذاقًا مميزاً لقيمة الاشياء التي نحن فيها بأمس الحاجة الى الاحساس بأهميتها المادية والمعنوية .
لايوجد لدى اغلب المدارس الفلسفية في العالم سواء المدرسة الاوربية او المدرسة الصينية الكونفوشيوسية التي استمرت لمدة عشرين قرناً اي معنى او تفسير لأسباب التشبث ببعض الافكار المستهجنة المترسخة في بعض العقول المحسوبة شكلياً على العقول السياسية، وان وجدت فتفسير ذلك يستند الى خلفيات نفسية معقدة تستمد مبادئها من مبادئ مريضة على اعتبار ان كلا اجديات اسس هاتين المدرستين بنيتا على الصدق والاخلاق من ناحية وعلى الوسطية والاعتدال من الناحية الاخرى .
كل الصراعات التاريخية التي شهدتها المجتمعات لا تكاد تخلوا من نبرة خافتة تدفع بإتجاه ترجيح صوت العقل لكن تبقى لديها حدود لاتستطيع اختراقها كي لا تتعرض دفاعاتها الى النقد اللاذع من المعسكر الاخر، و يقابل هذه النبرة اصوات بروبوغاندا اعلامية جهورية عالية تابعة لتخندقات واصطفافات لاتناسب مذاق المنطق وتتمتع بصفات التوغل والانغماس الذكي والتأثير بالخطابة لتحقيق مكاسب سياسية نتيجة تعدد الجبهات الساندة لها سياسيا واعلامياً غير مكترثين لقيمة الصنف الاول الذي تم ذكره سلفاً والملفت اننا لانرى وجود الة حاسبة تقوم بعملية عد وفرز زُمر الدماء التي تساقطت على مذابح الحرية كما نجد اليوم انهماك البعض وانشغالهم بعملية كسب الاصوات وبشتى وسائل التأثير المشروعة او الممنوعة من مبدأ انا وليكن من بعدي الطوفان.
بين طيات السياسة كل شيء جائز وان كان حرام وكل شيء مباح ومقبول وان كان غير وارد او مشروع الاستحواذ عليه، التخلي عن المكتسبات هي خسارة نفسية قبل ان تكون خسارة مادية والتغَيّر وتبديل المواقع والمواقف يتبع ارتفاع او انخفاض منسوب المولائمة وتشابه المشاريع السياسية الحقيقية والجادة القريبة الى التنفيذ لان تبديل ديناميكية اللعبة السياسية قد لا تكون فعاليتها بمحض الارادة الذاتية في اغلب الاحيان بل تسير خلف نتيجة المتغيرات وعدم وضوح المتبنيات والاهداف التي تفرض نفسها لتجذب الناخب من خلال غرس مفاهيم تنادي بضرورة خلق الثقة المتبادلة بين الجمهور والاحزاب السياسية التي تزيد من تشبثهم بمصداقية ممثليهم تحت قبة البرلمان اكثر من قيمة البرامج الجادة المطروحة على ارض الواقع والتي هي قيد التنفيذ .
اليوم استطيع وصف الانتخابات بمثابة وحدة معالجة البيانات وصمام امان السلم والامن المجتمعي لدى الدول المؤمنة ايماناً مطلقاً بمبدأ التداول السلمي للسلطة اذا ما اريد تطبيقها بلاقيد او شرط لكونها الالية المتحضرة الوحيدة التي يتفق فيها الاضداد الخصوم و الاعداء لانها طريق لالتقاء المصالح المشتركة في اغلب الاحيان ويختلف فيها احياناً حتى من لديه وجهات نظر متشابهة ومتطابقة كون لغة الارقام فيها هي من تتحكم بالقرارات المفصلية بلا منازع ونسبة نجاح هذه العملية وديمومتها تعتمد على عنصرين اساسيين هما عوامل التعرية السياسية التي تؤثر على تنفيذ وعود المرشحين للناخبين والعنصر الاخر مدى قوة وواقعية وجدية الافكار والبرامج السياسية المطروحة التي توجه لفئة مستهدفة من الجمهور على اعتبار ان الانتخابات المقبلة هي اخطر مرحلة سيشتد فيها لهيب التنافس المشروع والممنوع عم طريق ابتكار اساليب وطرق جديدة للتسقيط قد ترتفع فيها حرارة الاغتيالات السياسية خصوصا في الدوائر الانتخابية التي لايقبل جمهورها القسمة على اثنين.
ومن حيث النتيجة اقول لايوجد تفسير منطقي يبرر شرعنة اي تصرفات بربرية خارج نطاق الاختلاف المشروع واخلاق المنافسة السياسية النظيفة كما لا يمكن ايضاً ان نمنح الفرصة لسكاكين الاغتيال لتحز الرقاب الناعمة للشعب وجعلهم حائط الصد الاول الذي يتلقى ضربات الخصم بدلاً عن المسؤول الذي لايكترث للمصالح والمشاريع السياسية المشتركة لان حقن الدماء يحتاج لجراة في القرار وقوة في الموقف قبل ان تقع لحومنا بين فكي النياندرتال الذي سيتلذذ بطعمها بعد ان عرف الطريقة المثلى لشوائها !!!
انتهى ...
عمر ناصر / كاتب وباحث في الشأن السياسي