المقالات

جدلية الثورة والإنقلاب


 

محمد كريم الخاقاني *||

 

بعد ٦١ سنة من احداث ١٤تموز١٩٥٨، لازالت النخب السياسية والاجتماعية والثقافية مختلفة بشأن جدلية الثورة والإنقلاب وغيرها من المصطلحات السياسية التي ادت ما ادت به الحال الى ما نحن عليه من اوضاع. فما بين عقود تحت حكم الملكيين واخرى  تحت ظل الجمهوريين، لا زال العراقيين تائهين فعلا بين مؤيد لنظام واخر معارض له، فهناك من يرى بإن فترة الملكية التي ابتدإت مع تنصيب الملك فيصل الاول ثم ابنه غازي وصولا الى فيصل الثاني هي من ابرز الفترات التي عاشها العراق على الرغم من بعض الإنقلابات العسكرية وتوتر الاوضاع في المنطقة وما رافقها من تغييرات في شكل الأنظمة السياسية  وبين من يؤمن بإن الحكم الجمهوري وقيام ذوي الرتب العسكرية بإنهاء الحكم الملكي للابد في صبيحة ١٤ تموز ١٩٥٨ هو الافضل للعراق ، وهنا تكمن مشكلة ابدية في التفكير السياسي العراقي، إذ إن نتائج مرحلة ما في تأريخ العراق المعاصر قد لا تتوافق بالضرورة مع تصورات البعض حول تلك المرحلة، اي بمعنى آخر، إن هناك من يرى بإن النظام الملكي الدستوري يعد حقبة لا تتكرر بديمقراطيتها، وكان من الممكن ان يتطور العراق ليكون بمصاف الدول الكبرى في المنطقة في ضوء المعطيات المتوافرة انذاك  في الوقت الذي لم تكن فيه دول المنطقة بذلك النضج السياسي ولم تكن تمتلك المقدار الادنى من مؤهلات الحكم الرشيد مثلما كان يتمتع به العراق في تلك الحقبة الزمنية ، وما كان وضع البلد كما هو عليه الان لو استمر نظام الحكم الملكي لغاية الان، وهناك من يعد القضاء على هذا الحكم المكلي بمثابة انتصار لمبادئ الثورة وبداية تصحيح المسار نحو الافضل عبر تشريع قوانين وانظمة تلائم مختلف طبقات المجتمع، وهذا نا افرز الصراع الطبقي الذي كان سائا في فترة الملكية الممتدة منذ عام١٩٢١ ولغاية تموز١٩٥٨، لذا انحصرت المشكلة ليس في شكل النظام السياسي الذي يحكم البلد وانما تعدت الى الطبيعة المجتمعية وانعكاساتها وصراعاتها المتوالية بين فئة قليلة احتكرت القوة والنفود واخرى غالبية كبيرة لا تمتلك إلا قوت يومها بالكاد، وبالتالي تم إخضاع البلد الى صراع طبقي مجتمعي، وهذا بدوره انعكس تأثيراته سلبا على مدى تقبل فئات المجتمع لشكل وطبيعة النظام السياسي السائد، هل هو ملكي بما له وعليه ام للنظام الجمهوري وما اوصلنا اليه من تداعيات،

وهنا تكمن مشكلة العراق، فاساسها ليس في مدى قبول الشعب  بنوع وشكل النظام السياسي بقدر ما هي مشكلة مجتمعية افرزتها الظروف السياسية السائدة فإنقسم الشعب بسببها الى طوائف واقليات، فكان التقسيم الطبقي واضحا في العهد الملكي مما سبب عدم ارتياح لدى بعض الفئات المجتمعية فأعلنت الثورة ضد ذلك الوضع، وعلى الرغم من ذلك، يمكننا تشخيص ذلك الانقسام  الى عامل مهم وهو يتمثل بإضفاء الشرعية على النظام السياسي، إذ لغاية الان نفتقد الى هذا العامل المؤثر ومدى تقبل الجمهور للنظام السياسي الذي يحكمه وبالتالي ندخل في إشكاليات عدة ومنها عدم إمتلاك النظام الذي قام على العنف والدم على الشرعية المفوضة له من قبل الجماهير وبالتالي اكتسابه القبول والرضا الشعبي وإدخال البلاد بأزمات متعددة لغياب الهوية الوطنية الجامعة للشعب، ويمكننا القول بإن كلا النظامين وعلى إمتداد العقود التي حكموها لم يرتقوا الى بناء الدولة بسبب سلبيات رافقت اساس كليهما مما اثر بشكل رئيس على تكاتف المجتمع بإتجاه هوية واحدة، بينما نرى على ارض الواقع تعزيز الهويات الفرعية وتزايدها إنطلاقا من تعدد الحكومات وتوجهاتها وبالتالي ضعف العامل الوطني الجامع لصالح تقوية تلك الهويات الفرعية.

كل هذه الامور عززت مبدأ القوة بدلا من الاعراف الديمقراطية كسبيل للوصول الى السلطة والإمساك بها وعدم التفريط بها، وعلى هذا الاساس نمت ثقافة القبول بمثل تلك الادوار وجعلها القائدة في النظام وتحقيق غاياته ولهذا نجد بإن مسألة إكتساب الشرعية وفقا لتلك المقاييس قد اصبحت شبه مألوفة في المجتمع العراقي، وخير دليل على ذلك، الفترة التي اعقبت ثورة ١٩٥٨، إذ سيطر الهوس بالسلطة على تفكير القادة العسكريين وانقلب رفيق الامس على عبد الكريم قاسم، وكذلك ما حدث في تموز ١٩٦٨ وبنفس الطريقة ولغاية اذار ٢٠٠٣ واحتلال بغداد وإسقاط النظام السابق بالقوة العسكرية، فنجد تجذيرا لمبدأ العنف في الإمساك بالسلطة وبالتالي تعمل السلطة حينها على تعزيز سلطاتها ولو بالصورة الديمقراطية الشكلية.

وعليه، يمكن القول بإن تلك الموروثات الخاطئة قد اوصلت البلد الى حالة من التخبط وعدم إعتماد سياسة واضحة واليات ديمقراطية حقيقية للوصول الى السلطة،فضلا عن عدم وجود ثقافة سياسية بين ابناء المجتمع العراقي، وهذا بحد ذاته يحتاج الى تعزيز تلك الثقافة ونشرها بين اوساط المجتمع العراقي للتغلب على الازمات التي تواجهه.

 

*اكاديمي وباحث في الشأن السياسي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك