محمد صادق الهاشمي
١- المشهد الأول: إعلان السيد الصدر عن انسحابه من العملية السياسية.
السيد مقتدى الصدر عندما يعلن انسحابه من العملية السياسية، ومن الانتخابات، وربما فتح المجال بنوع من العناية في الكلام للاشتراك؛ إلا أنّ الاتجاه العام هو الانسحاب، وهنا عدد من الملاحظات:
أولًا: إنَّ السيد ربما لا ينسحب، وتحدث تدخلات ووساطات لإرجاعه عن قراره، وكل الأمور متوقفة على المستقبل، حتى تتضح صورة المشهد، وإن كان السيد ماضيا في قراره؛ فإنَّ العملية السياسية برمتها ستعاني من الاهتزارات الكبيرة، فلاشيء يمكن أن يكون دون ثمن.
ثانيًا: الجبهة السياسية التي تحركت لثني السيد عن قراره هم المحور الذي توحد نتيجة أحداث تشرين، والذين كانوا ينسقون دورهم وراء الكواليس، إلا أنّ الأحداث أبرزت ترابطهم الوثيق؛ خصوصًا في هذه المرحلة، وهم: الكاظمي، الحلبوسي، برهم، لكن القوى السنية والكردية والشيعية البقية لم تصرح بشيء!.
ثالثًا: انسحاب السيد مقتدى يقال عنه إن كان الأمر يتخذ طابع الجدية؛ فإنّه يغير المعادلات السياسية، ومنافسه الأكبر (تحالف الفتح) سوف يكتسحون الساحة الانتخابية، وهذا الأمر بدوره لا يمكن قبوله من أطراف منافسة، وأخرى معادية داخليًا وخارجيًا، وسوف يكون التدخل الخارجي والذهاب إلى تأجيل الانتخابات حدًّا أدنىً من الاحتمالات السيئة؛ ومِنْ ثَمَّ يكون العراق أمام احتمالات عديدة.
رابعًا: وضَعَ السيد مقتدى الصدر الأعلام الثلاثة: (جيش المهدي، اليوم الموعود، وسرايا السلام) خلفه عند إلقاء البيان، وهذا فيه إشارات إلى مرحلة أمنية عسيرة مقبل عليها التيار، أو العراق بتصور السيد مقتدى، وهو مستعد لها بألويته.
المهم أنّ السيد يفهم أنَّ العراق مقبل على مرحلة عسكرية أكثر منها مرحلة سياسية.
خامسًا: مهما قيل عن الأسباب التي دعت السيد إلى الإعلان عن الانسحاب، أو التجميد؛ فإنَّ أصل إعلان السيد انسحابًا أو تجميدًا سواءٌ أتراجع عنه أم مضى فيه؛ فإنَّ العراق على بوابة عالم آخر، وإنَّ عمر العملية السياسية سيدخل في وضع جديد أشدّ سخونة وخشونة
٢- المشهد الثاني: التحرك الدولي
أولًا: بريت ماكغورك الآن يزور العراق ويصرح -بعد لقائه أغلب الرئاسات (بأنه لا انسحاب لقواته من العراق وفق الجهات التي تريد إرغام أميركا على انسحابها من العراق بالقوة).
ماكغورك منسق الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط (غرب آسيا) وشمال إفريقيا، التقى أغلب الرئاسات ولم تصدر عنه أية إشارة بالانسحاب، بل على خلاف ذلك! وهنا لا بد أن نتأمل كثيرًا في ما يقوله هذا الوفد؛ الذي يدرس الأمن ومستقبل بقاء القواعد الأميركية في العراق، وفي ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، وأن لا نذهب بالحماس كثيرًا، فقد يكون هناك انسحاب أميركي أسوأ من البقاء.
ثانيًا: على فرض أنَّ أميركا تريد الانسحاب، أو تفكر به فإنَّ أغلب المحللين يتجهون إلى حقيقة أنّ انسحاب أميركا من العراق في ظل مصالحها؛ أبعد من المشرقين!، ولكن يمكن أن يكون تكتيكًا، ويمكن التعامل معه، إلا أنَّ أميركا دومًا عندما تضطر إلى الانسحاب من أية دولة؛ تُحْدث خرقًا أمنيًا معقدًا، فإنها انسحبت من العراق على وفق اتفاقية صوفا، ولكنها عادت إلى العراق تحت مظلة (داعش).
كيف وهي تعد العدة لإعادة (داعش)، ونسف العملية السياسية، وإرباك الشارع العراقي بالعبث وإخلال الأمن، وتأزيم الاقتصاد، وخلق تصدعات في الموقف الشيعي المتصدع أصلا!.
ثالثًا: الكاظمي قريبًا يزور واشنطن، وهناك يتقرر مصير الجانب السيادي والسياسي للعراق، وهناك يتقرر مصير الانتخابات والأمن، وتتبيَّن الصورة، ويقترب فهم المشهد -من وجهة نظر أميركا- عندما نعلم أنَّ فرقة أميركية مَهَمَّتها الانقلابات، وهي التي تنفذ مهمات خاصة، ومنها إلقاء القبض على صدام حسين، وتصفية بن لادن… وغيرها، تستقر الآن في بغداد وليس في القواعد الأميركية؛ فهنا يتبادر السؤال إلى الذهن: هل ما صرح به السفير البريطاني من أنَّ العراق مقبل على حرائق سياسية وأمنية مجرد تحليل، أم هل أنه يريد بلاغنا وإخبارنا؟
في الواقع هل هو في مقام الإخبار أم هل هو في مقام الإنشاء؟
٣- الخلاصات
أولًا: المشهد القادم معقدٌ لأسباب عديدة، منها: الديون، الاقتصاد، التمزق في الصف الشيعي، وعدم إقبال الجمهور الشيعي على الانتخابات، تصاعد وتيرة وجود (داعش)، تقاطع المواقف الشيعية… كل هذه الثغرات تفتح الأبواب للمشروع الأميركي بأن يكون راسخًا أكثر، وأن ينقل احتلاله العسكري -إن تحقق الانسحاب الصوري- إلى احتلال سياسي عميق؛ وهو ما يعمل عليه الآن مع إغراق العراق بمشكلات دولية عميقة، منها: الأموال، القروض، إشراف البنك الدولي، سيناريو (يوغسلافيا).
ثانيًا: الأحزاب الشيعية غير مستعدة، وغير متفقة على المرحلة القادمة، مع أنها مرحلة وجودية معقدة، فيها يكون أو لا يكون للشيعة مستقبل مستقر، وهم في سكرة السلطة، وتراجع المواقف، وتذبذب وضعف، ولم يحققوا شيئًا يمكن أن يكون منجزًا إلا منجز المصالح الحزبية والأسروية.
ثالثًا: الجمهور الشيعي تغيرت قناعاته وأيديولوجيته تغييرات كبيرة.
رابعًا: المؤثرات السياسية والدعايات الانتخابية والبرامج المشجعة؛ لم يعد شيئًا ملموسًا منها؛ فإنَّ مرحلة تصفير الخطاب هي الحاكمة، والبون يتسع.
خامسًا: كل الأحزاب الشيعية تعاني الضعف، وسوف نرى الحجوم التي تسفر عنها نتائج الانتخابات -إن أُجريت- وهو مجرد احتمال، وإن اشتركت الجماهير وهو كذلك لا يخلو من ضعف؛ فالحكمة أضعف مما كانت عليه، وهكذا سائرون والقانون وغيرهم… إلا الفتح فهي قوية في الانتخابات لكنها ضعيفة فيما بعدها!.
سادسًا: مستَبعَد تورُّط أميركا بأي انقلاب عسكري، أو أية عملية تخلق ردة فعل وصِدام يوحد الشيعة، ويدفع بالمقاومة والحشد إلى الصف الأول من الأحداث، وتخسر موقف المرجعية؛ بل ستعمل على خلق التآكل من الداخل، وهو المشروع الذي يعمل عليه السيد الكاظمي ومعه آخرون، بنحو تدريجي، حتى تسفر الأحداث لاحقًا وفي تدرّج وبنحو بطيء عن واقع آخر.
https://telegram.me/buratha