-مازن البعيجي ||
هذه الدولة -الغريّ- تقع على خارطة النجف المشرَّف بأمير المؤمنين "عليه السلام" حامي الحمى، لكنها ليست على ظهرها، وإنما تحت ثرى ترابها، توزعت فيها القبائل والأسر كما في الدنيا لكنها قبائل بلا عراك ولا مشاجرات ولا سماع دويّ أنواع السلاح، وما ينتج عنه حين يسقط منه المئات بل الآلاف! أمة تحت التراب لا اختلاف في وِجهاتها وكلها تنام منذ أول زائر لها على خدّها الأيمن ووجهًا نحو الأمير والسلطان علي "عليه السلام" فلا هي تشبه اختلافنا وتخلّفنا والبعض منا له ألف وجه ووجهة! بل حتى هناك من وجهه نحو السفارة ومنها يأخذ ملامحه! واخرون فيما بينهم مختلفون ويختلفون ممكن على أتفه الأشياء، فترى الوجوه متعاكسة كل ينظر لجهة ما يراها أميره وهواه! لكن شعب الغريّ إنتهى بينهم النزاع وقضي الأمر بحكم وقرار من قاضي القضاة أحكم الحاكمين!
هذا الشعب الذي اختلفت له سبل الوفود، بل وتعدّدت له طرق أخذ فيزة القدوم لهذه الأرض والعيش في باطنها، فمنهم مضى نحوها بقافلة المرض وآخرين بقافلة الحوادث صغيرا كان ذا الوفاد أو كبير؟! إلا أنّ قسمًا منهم قدِموا وفي يد كل واحد منهم سراج منير، كل نازل منهم يضيء محيط ما يتسع له قوة سراجه والقبس.
قوم لا ترى لهم غير شواخص وعناوين فتحات يعرفها خبير التجنيس والتفويج برتبة دفان يمتهن صناعة بيوت التراب، بعد أن كانت الأجساد لا تطيق رذاذه المتطاير فكيف بكَمّ تلك الاطنان التي منه على المحاجر؟! وذات المساحة التي لاتعدو شبر اليد وأربعة أصابع!
ربيعهم يوم تأتي أفواج السائحين وتقف على شرفات قبورهم يذرفون ما تنتعش به سرائرهم على قدر ما تهطله آماقهم بما يعتصر الأرواح، إنهم أقوام عبر عنهم بليغ الكلام واميره قائلا
(وَإِنَّمَا الْأَيَّامُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ بَوَاكٍ وَنَوَائِحُ عَلَيْكُمْ أُولَئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ وَفُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ وَحَلَبَاتُ الْفَخْرِ مُلُوكاً وَسُوَقاً سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلًا سُلِّطَتِ الْأَرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وَشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا يَنْمُونَ وَضِمَاراً لَا يُوجَدُونَ... ) .
إنها دولة لا يعترف بها الطغاة ولا المستكبرين ولا العملاء ولا شاقّي عصا الطاعة والأخوة ولا من تجمّلت الدنيا بعينه وأخذ قاعها يستهويه ويبني له قلعة كتب عليها أهلا بوجه لن يفلح بعدها أبدا! أرض وشعب يراهم الاباطرة متجاوزين ولابد من هدم قبورهم، فحتى قبورهم تصلح للفساد وبيعها تارة اخرى ومنها يصنع باب مشرع للاقتصاد! نعم هي أمنية القلائل والذي عاش التوكل دون التحايل، لأنه يعرف ساكنها ومن حوله من رسل وصالحين وقنطرة التقوى فقط نياقهم، إنها أرض الغري التي قال فيها الشاعر يوم رقّت له قافية معنوية؛
لذنا بقبرك والقبور كثيرة
لكنَّ من يحمي الجوار قليل!
(وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ)الانفطار ٤-٥
البصيرة ان لا تصبح سهماً بيد قاتل الحسين ومنه يسدده على دولة الفقيه ..مقال قادم نلتقي..دمتم)..
https://telegram.me/buratha