عمر ناصر||
بعض الاحيان تواجه الدول المتحضرة التي تتمتع بديموقراطيات عالية بعض التحديات التي تتمثل في وجود قوانين مشرعة خصيصاً لمجتمعاتها لاتتناسب كلياً مع التركيبة الجينية للوافدين او المهاجرين الذين استقروا بتلك البلدان نتيجة اختلاف الخلفيات والثقافات التي تتناسب عكسياً ًمع قوانين الدولة المضيفة لهم وتتناقض مع الطبيعة الفطرية لتلك المجتمعات على اعتبار ان قوانين الاخيرة قد راعت تركيبة وطبيعة النفس البشرية لسكان البلد الاصليين قبل الاقدام على تشريعها والتي استندت على دراسة وتحليل وتمحيص عالية اقرت على اثرها تلك القوانين ، اما اذا اريد ان تعدل لتكون قوانين اكثر صرامة فيتطلب انذاك اعادة النظر في بناء التشريعات بصورة جذرية من اجل اعادة صياغة قوانين جديدة تؤمن بالمتغيرات التي تحدث مابين الحين والاخر لغرض المحافظة على مفهوم الدولة من التشضي والاختطاف .
بعض الاحيان لم يستطيع الكثير ممن لديهم باع طويل في تفسير وتحليل اسس بناء الديموقراطيات الحديثة في العالم الوصول الى الفهم الكامل والمطلق لمصطلح الدولة الذي يعني بالمفهوم العام تشريع وتطبيق قوانين وادارة السلوك والانظمة التي تجبر المجتمعات على اتباعها وليس بسبب ان تلك الدول تفرض ذلك لانها تتمتع بمقومات القوة و بسط النفوذ والسيطرة الفعلية على كل مفاصل الحياة العامة فحسب بل بسبب الدراسة الكلية المسبقة لطبيعة تلك الشعوب والمجتمعات التي لها قوانين تتناسب مع التركيبة الفسيولوجية والنفسية والثقافية لكي تتمكن من ادارة شؤون الدولة بحرفية تامة دون فسح الفرصة او المجال امام اي ثغرات داخلية قد تستغلها جهات خارجية لاثارة العنف والبلبلة التي تساهم في تصدع القشرة السيادية الصلبة للدولة كما يحدث اليوم في وضعنا الحالي.
لندخل بحذر لعمق التفاصيل ونبدأ بتفكيك خوارزميات اختطاف الدولة الذي يختلف كثيراً عن مفهوم أختطاف الشعب ، فالقارئ الحذق يعي كلياً وبالمعنى الحرفي والدقيق انه لايمكن ان تختطف الدولة لانها ليست شخصية مادية ملموسة ولها كيان فيزياوي قابل للانتقال من مكان لاخر بل هي تقع ضمن اطار اوسع و مصطلح شامل فضفاض يوجد بين طياته الكثير من المفاهيم التي تجتمع داخله لتكوّن كيان معنوي يمثل الشكل الحقيقي لوجه المجتمعات، واختطاف الشعب بالمعنى الدقيق يعني تغييب العقول والاذهان عن حقائق دامغة وتوجيه مؤشر بوصلة ايمانها بعيدًا عن الوطنية وروح الانتماء ناهيك عن عن اتباع مفاهيم سياسية مؤدجلة من اجل صناعة راي عام بالامكان قيادته بصورة ارادية وليكون اداة اضافية ساندة وداعمة تعمل كحائط صد فاعل يستقتل في الدفاع عن الجهة المستفيدة من ذلك الجهد المبذول.
هنالك عوامل حقيقية تجعل من الادوات التي تستخدم في تنفيذ او تشريع القوانين غير صالحة للاستخدام لاسباب منها انها لم تعد قادرة على حماية نفسها من ردود افعال تلك الادوات التي قد تمردت عليها بسبب فقدان التأثير والسيطرة على نفسها نتيجة تنامي العوامل السياسية المؤثرة عليها، وذلك يتبع بلاشك تعدد وتشعب اشكال مصادر القرار المحيطة بتلك الادوات الذي يؤدي بدوره الى ضعف المنظومة المؤسساتية بشكل كامل واستغلال وتسخير قوى المال السياسي والنفوذ الدولي او الاقليمي لدعم المشاكل الداخلية من اجل هيمنة قوى اللادولة التي تؤمن ببقاء القرار السيادي بعيداً جداً عن واقع قوة الدولة .
وعلينا اليوم أن نكون اكثر واقعية وصراحة ولنعترف بأن الصراع بين الدولة واللادولة هو اخطر ماتمر به العملية السياسية وهي بمثابة الصراع بين ايدلوجيتين مختلفتين الاولى الدولة التي تؤمن ببناء مؤسسات تكون هي الحاكم الفعلي والحقيقي عليها من خلال فرض سلطة القانون الذي ينظم شؤون البلاد ومابين ايدلوجية عقائدية تؤمن ايمانا مطلقًا بالانتماء لعقيدة معينة لاتكترث اطلاقاً لكل انتقاد قد يوجه لها او يقف بوجهها.
لنشخص مواطن الخلل ونضع أصبعنا على الجرح ونترك الباب مفتوح لنحلل بمهنية وموضوعيه تامة ونشخص محددات وتحديات العملية السياسية في المستقبل القادم في ظل وجود السلاح المنفلت والتلكؤ في تشريع قانون الأحزاب وتأثير المال السياسي والصراع الاقليمي في تحديد رئيس الوزراء القادم اذا كِتب النجاح للانتخابات النيابية ناهيك عن وجود تحديات اصبحت تهدد السلم الاهلي والمجتمعي ولتكون عقبة لعدم تحقيق الاستقرار السياسي التام من اجل الخروج من عنق الزجاجة في المرحلة المقبلة.
انتهى ..
https://telegram.me/buratha