محمد حسن الساعدي ||
في الاونة الاخيرة وبعد ظهور مؤشرات، لنمو الوعي الفكري الى ماهو عليه الان، وكذلك تطور التيار المعاكس له، بدأت تطرح الشكوك والشبهات حول المرجعية الدينية العليا، وإن كانت جديرة بقيادة الأمة الاسلامية..
رغم وجود ردود لهذه الشبهات، فانها لازالت لا ترقى لمستوى الحدث، كون المرجعية الدينية بتاريخها، دائماً ما تاخذ موقف الصمت تجاه من يهاجمها كرها او بغضا أو لأجندة معينة.. فمثل هذه الاصوات النشاز أبواق للاستعمار لضرب الاسلام، فلو كانت اصواتا محايدة، أو تبحث عن حقائق فكرية كما تدعي، وتريد النقد للإصلاح لا غير، لكان الاولى ان يكون النقد وجهاً لوجه مع قادة الحركة الاسلامية، بعيداً عن لغة التشهير وإشاعة البلبلة، و إدامة التفرقة والتناقض، في واقع الامة الاسلامية الذي يعاني أصلاً من التشرذم.. ولكنها تحاول أن تفصل بين الشعب والعلماء، من خلال طرح شبهات بعيدة عن الواقع، وليست سوى محاولة لتفريق الامة الاسلامية عن فقهائها وعلمائها.
السيد المرجع محمد سعيد الحكيم (قدس) هو احد الفقهاء الذين طالتهم هذه المحاولات الخبيثة.. فهو أحد الاعمدة المهمة في الحوزة العلمية بالنجف الاشرف، ويقوم بمقام المعين والسند للمرجع الديني الاعلى، بما فيها المهام الفقهية والشرعية، جنباً الى جنب مع باقي المراجع العظام، ومنذ تأسيس الحوزة العلمية في النجف الاشرف، وتاريخها المشرف تجاه مجمل القضايا، التي تمر بها البلاد او العالم الاسلامي اجمع..
بعد تسلط الطغمة البعثية الفاسدة، على العراق تعرضت المرجعية الدينية، الى التنكيل والقمع من قبل اجهزتها القمعية، حتى برز هذا الحقد، من خلال اعتقال العلماء والمراجع في التسعينات من القرن المنصرم، ومن بينهم الفقيد الحكيم، الذي تعرض للتعذيب في سجون البعث الفاشي، وكان التحقيق معه اطول من غيره، حيث كانت تستخدم اقسى المحاولات، وتعرض لأسوء مافي جعبة هؤلاء الوحوش، لكن رباطة الجأش الذي كان يتمتع بها جعلت ازلام النظام يسشيطون غضباً، ويتراهنون فيما بينهم، على من سيجعله يصرخ من ألالم!.. لكن السيد الحكيم (قدس) قوي الشكيمة وصلب الارادة، تحدى سجانيه بإيمانه وقوة تحمله، حتى امسى قدوة وهو تحت وطأة التعذيب والتحقيق.
أستطاع الراحل الكبير، وهو تحت وطاة التعذيب والتحقيق القاسي، وخلال فترة وجوده ان يكون مثابة للشباب المؤمن المعتقل في سجون البعث، لارشادهم وتوعيتهم دينياً واخلاقياً، وكان يقيم مجالس الفقه(شفوياً) بحسب ما يحفظ من دروس فقهية، لذلك طلب منه بعض المعتقلين هناك أن يبدأ بتدوين هذه الدروس، لما لها من الاهمية القصوى في تهذيب النفس وتفقه الشباب، معتمداً في التدوين على أغلفة علب السجائر الفارغة، ومما يتركه السجانون من أقلام الرصاص، حتى استطاع بقوة ذكائه وذاكرته القوية، ان يكمل دورة استدلالية كاملة، الى جانب بعض البحوث في التفسير والاخلاق.. بدات حلقته بالاتساع شيئاً فشيئاً، حتى وصل الخبر الى مدير السجن حينذاك، ليبدأ بحملة القمع والتعذيب ضد احباب السيد الحكيم ومريديه، وبعد ياس ازلام النظام من الحصول على معلومات، عن هذه الدروس والمحاضرات، عمد الى الدخول الى غرف السجناء، وأستخدام أساليب التعذيب والقمع ضد السيد الفقيد وطلابه.
بعد خروجه من السجن في التسعينات، سعى المرجع الكبير الى إدامة الزخم في الحوزة العلمية، من خلال توسيع مساحة الدرس، وكان شديد الحرص على تنمية وتعزيز وترسيخ، الروح والثقافة الحسينية في نفوس الناس، فهو كان رغم كبر سنه وظروفه الصحية الصعبة، يصر على مشاركة ملايين الزوار في مسيرة الاربعين، وعلى اقامة مجالس العزاء، بالشكل الذي يساهم في ابقاء الثورة الحسينية، حية ومتجددة في نفوس وقلوب المؤمنين، بل وفي نفوس وقلوب البشرية جمعاء..
سيبقى الفقيد المرجع الكبير، علماً من اعلام التشيع ودرساً كبيراً في تهذيب النفس والايثار.. يمثل حقيقة المرجعية، وجوهر وروح العراق والعراقيين، وذوبانهم في القضية الحسينية وشعائرها