علاء الطائي ||
إنتشرت هذه الأيام حمى الدعاية الانتخابية بين ممثلي الأحزاب العراقية متجاوزة بعض الحدود والاعراف والسلوكيات التي كان من المفترض أن لا ترافق هذه الحملات سيما وان الساحة السياسية والمراكز البحثية بالأمس القريب شهدت عدد من الفعاليات الثقافية والحوارات الفكرية مع طيف واسع صنف في خانة ترقى إلى تصنيف الأعداء منها إلى كيانات شقيقة في وطن واحد وإتسعت دائرة المشاركة والحوار لتطال غالبية التيارات والأطراف الحزبية والدينية والأثنية وبما كان يؤشر إلى القرب من صياغة عقد وطني جديد بين مختلف الكيانات العراقية ولكن من المفترض ولهذا السبب بالذات أن يعم الهدوء النسبي بين مختلف هذه المكونات أن إستعراضاً سريعاً لغالبية "برامج" هذه القوائم لاسيما الرئيسية منها والمؤثرة التي تمتلك حظوظاً وافرة للنجاح في الإنتخابات تبرز تماثلاً كبيراً في غالبية عناصرها "البرنامجية".
وهو ما يدفع للتساؤل إذن عن الأسباب الحقيقية لحدة هذه المعارك الإنتخابية وإنتقالها بسرعة إلى طور مايسمى في الإنتخابات الأمريكية (التراشق بالطين) ويصبح عنوان أو عناوين الخلاف عناوين فكرية سياسية اجتماعية... الخ تتصل بواقع التحديات التي يواجهها العراق على مختلف الصعد لاأقول أن البعض لم يسعى إلى ذلك ولكن اللوحة العامة ليست كذلك والغريب في الموضوع أن تراشق التهم الذي وصل إلى أبعد مدى يتم بين حلفاء الامس القريب والذين كانوا في خندق واحد وغالبية التهم التي يجري التراشق بها ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالحوارات المعمقة التي جرت في عدد من الدعوات ومنها برنامج أزمة العراق سيادياً والذي شكل أول محطة عراقية حقيقية للحوار وضمت كل القوى والفعاليات الفكرية والسياسية والكيانات.
فعلام تفضح هذه المعارك الإنتخابية الطاحنة إذا لم تكن البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأهم من ذلك كله شكل ومحتوى العراق الجديد كيف تفسر إذن طبيعة هذه المعارك بغير أنها تستهدف الوصول إلى السلطة ليس إلا وهو أمر مشروع ولكن مشروعيته في النظم الديمقراطية تستمد من كون البرامج التي يطرحها هذا الحزب أو ذاك الزعيم تستجيب لمصالح فئآت أو شرائح إجتماعية أو اقتصادية واسعة أو مؤامرة داخل النسيج الإجتماعي الاقتصادى للمجتمع وبالتالي فإن نجاح صاحب المشروع هو بمثابة انحياز من هذه الفئآت او غالبيتها لهذا البرنامج وافرازها عبر التصويت لأصحابه انه يمثل مصالحها فكيف هو الحال في هذه الانتخابات هل تعبر القوائم المتنافسة عن برامج متعارضة بشكل جوهري في المجالات السياسية الاقتصادية الاجتماعية أو حتى في ماهية ومضمون العراق المقبل حيث تنتقل الحملة الإنتخابية في أيامها الأخيرة من التصدي لعناصر برامج الخصم إلى إبراز محاسن برنامج المنافس إلى الشخصية المحصنة إلى إبراز عيوب ونقائض المرشح الشخصية واكتشاف أية ملاحظات سلبية ذات طابع شخصي في حياته والعمل على تضخيمها... الخ.
فهل استهلت الانتخابات حملتها ب(تراشق الطين) على مدى أيام الحملة؟ إن تفسير ذلك يبقى قضية ليست بالسهلة وإن كان أقرب تفسير لهذا كله هو الإعتقاد بأن مايجري على السطح لايعبر عن صراعات مبدئية تستند إلى مصالح حقيقية للشعب العراقي بمختلف تكويناته وهمومه الكبرى بدء من الأمن الفردي والجماعي وصولاً إلى لقمة العيش الكريمة والحلم بمستقبل أمن وواعد لأطفال العراق وإنما وارجوا ان اكون مخطئاً هي مجرد تعبير عن مصالح نخب سياسية ضيقة تعتبر نفسها لأسباب شتى تمتلك الحقيقة للناس بما هي نخب كي يقترع لها البسطاء والفقراء والناس الطيبون الذين ذاقوا الأمرين على مر العهود المختلفة ويدفعون يومياً ومن دماء أبناءهم وشبابهم واطفالهم المسفوح في شوارع بغداد وبقية المدن قربان خلاص العراق وإلا كيف نفسر عدم التوجه لهؤلاء ليس بالشعارات فقط وبصور الزعماء وإنما بما يخفف ويوقف معاناتهم ويضع العراق والشعب على درب الخلاص وما الذي يفسر غياب هوية هذه القوائم السياسية والفكرية فمن المعروف والبديهي أن كل قائمة أئتلافية تتشكل عادة من قوى أو حزب أو تيارات او شخصيات متقاربة في رؤاها حيال عدد من القضايا وهو يفسر إئتلافها في قائمة واحدة وهو ما سيجعل المواطن العراقي المتحرر من اي مصلحة انتخابية في حيرة من امره لمن سيعطي صوته! وماهي النتيجة التي سيجنيها في نهاية الأمر؟
فهل ستسهم العملية الانتخابية القادمة بالشكل الذي تأخذه بمراكمة وعي انتخابي لدى الناخب تدفعه لإنتخاب من يثبت جدارته ومنع هذا الصوت عمن لايثبت هذه الجدارة أو يقنع بأنه أهلاً لها؟ يبدو أن المشوار لازال طويلاً أمام العراق كي يحقق مايحلم به ولنأمل ان يكون قصيراً وبمقدار ماترتقي مجمل النخب السياسية والحزبية بممارستها السياسية والاجتماعية والفكرية بمقدار ماتسرع وتيرة تطوير وتعميق التقاليد الديمقراطية من خلال ممارسة مؤسسة تعبر عنها صناديق الانتخاب تتويجاً لعملية ديمقراطية شاملة تعيد للعراق الواحد الموحد دوره ومكانته على الصعيد العربي والإقليمي والدولي!