محمد مكي آل عيسى ||
من الطبيعي جداً أن تحكم الإنسان في حياته مجموعة من الظروف والمواقف والأحداث منها ما هو ثابت ومنها ما هو متغير ، منها ما لا يمكن تغييره أبداً ومنها ما يصعب تغييره ومنها ما يتغير بشكل طبيعي وتلقائي.
وللتوضيح نضرب بعض الأمثلة على ذلك فمثلاً لا يمكن للإنسان أي إنسان أن يغير والده ووالدته الحقيقيين أبداً حتى وإن تم تسجيله باسم غير أب وغير أم فسيبقى هو بالحقيقة ابن لوالديه الحقيقيين.
ولا يمكنه أن يغير إخوته أو أجداده وأعمامه وأخواله وأبناءه . . كلها من الثوابت التكوينية التي لا يستطيع تغييرها.
لكنه يستطيع أن يغيّر أصدقاءه ومعارفه فهم قابلون للتغيير أما زملاء العمل والدراسة فيتبدلون تلقائياً.
أمّا سكن الإنسان فكلما كان مناسباً مريحا له فسيكون ثابتا ولا يغيره بسهولة . . لكنه يبقى قابلا للتغيير
ويغير الإنسان موقع تواجده في اليوم مرات عديدة يسير في الشارع ، ينتقل من البيت إلى العمل إلى السوق إلى ، و إلى . .
ويغير الانسان ملابسه باستمرار . .
وإذا انتقلنا من مستوى العلاقات والسكن والملابس إلى مستوى الفكر سنجد كذلك أن للإنسان ثوابت ومتغيّرات ، عنده أفكار من الصعب تغييرها ، فعقائد الإنسان لا تتغير بسهولة فقد انعقدت في ذهنه وأصبحت جزءً من حياته وخصوصاً إذا كانت مطابقة للواقع ، فيعتمد عليها ويبني عليها سلوكياته ومنهجيته في الحياة .
كما وتحكم الإنسان بعض المتغيرات في أفكاره تلك الّتي تعتمد على حركة الزمان والمكان والشخوص والمواقف فمثلاً نرى قطعة من الأرض تساوت مع غيرها من الأراضي نراها وقد أصبحت لها حرمة وقدسية خاصّة بمجرّد أن أوقفها مالكها كمسجد للصلاة . . فاعتبار المسلم لهذه الأرض وفكرته عنها تغيّرت بتغيّر عنوان الأرض.
وبمجرد أن يٌتَوَفّى مرجع كبير أو أن يُستشهَد مقاتل من أبطال سوح الجهاد يتغير اعتبار يوم تلك الوفاة أو الاستشهاد من يوم عادي إلى يوم ذي خصوصية . وهكذا . .
وبالتأكيد فإن للثوابت الفكرية والعقائد الحقة هيمنة على المتغيرات وحاكمية عليها بسبب ثباتها ولها الأرجحية بذلك ، وبناءً على هذا فعلى كل منّا أن يميز الثوابت من المتغيرات ولا يترك للمتغيرات أن تأخذ أكبر من حجمها فتصبح هي الحاكمة على الثوابت.
واليوم ونحن نعيش حدث الانتخابات وتحديد السلطة التشريعية وما لها من انعكاس على بلدنا من اختيار الحكومة إلى تحديد المواقف تجاه الكثير من الأزمات مع ما يلازمه من الظواهر كلها تجعل لهذا الحدث أهمية بالغة ومكانة كبيرة في نفس المواطن المتعطش للأمان ولأبسط الخدمات التي سلبت منه على مدى سنوات طوال عانى ويعاني فيها الكثير.
وما يرافق الانتخابات من حملات إعلامية ودعايات ولقاءات واجتماعات وظهور على الشاشات المرئية كلها تعطي لهذا الحدث هالة ضخمة من الظهور يتحدث بها الكبير والصغير حتى يطغى على جميع الأحداث بل يلتبس الأمر على الكثير فيعطون هذا الحدث من الاعتبار ما لا يستحق حتى يخيل لهم أنه من الثوابت أو لنقل بالقليل يكون تعاملهم معه كأنه من الثوابت.
والواقع أن حدث الانتخابات من المتغيرات يمر علينا كل أربع سنوات تتغير فيه وجوه وتبقى وجوه لتتغير في دورة أخرى وهكذا . . قد يرشّح فلان ويأتيه أمر الله قبل أن يدخل البرلمان فيذهب كرسيه لغيره . .
فلان سيكون غداً أحد أعضاء البرلمان له من الوجاهة والنفوذ والسلطة والمال الشيء الكثير لكنه لن يكون كذلك بعد عشرين سنة .
نعم الانتخابات أمر متغير يتعلق بشخوص زائلة تزول بزوال السنين ويبقى ما تحمله من أثم أو أجر لتلقى ما تستحقه من أليم العقاب أو جميل الثواب.
انتخابات اليوم قد لا يذكرها أحد بعد دورتين أي بعد ثمان سنوات أما بعد خمس وعشرين سنة ستصبح تاريخاً.
أين مجلس الأعيان العراقي في زمن العهد الملكي السابق ؟ ومن يذكره اليوم ويهتم لأمره ؟
أين المجلس الوطني الذي كان في عهد النظام البعثي النافق ؟
نحن نحتاج الرؤية البعيدة والنظرة الواسعة فنستوعب الحدث . . لا أن ننظر للحدث وكأنه الأول والأخير من نوعه فيستولي علينا ويستوعبنا هو. .
وما نراه مؤسفاً حقاً اليوم هو التنازلات الكبيرة عن الثوابت بسبب هذه المتغيرات . . يضحي الفرد بكبار القضايا لأجل المرشح فلان أو لفوز التيار الفلاني.
مسلم ملتزم من اجل فلان المرشح يفقد دينه العظيم . . يفقد أخلاقه القويمة الثمينة . . يفقد صديق العمر الصدوق الذي لا يعوّض بسهولة ، يفقد المبدأ . . يفقد القيم . . يفقد الثوابت من أجل المتغيرات .
فلا تكن الانتخابات سبباً لاسوداد القلوب وتلوث النفوس وقطع الرحم ولا يكن تفضيل فلان على فلان سببا للفتنة والفرقة . . فوحدة الكلمة ورصُّ الصفوف هدف سام لا يتغير . . قوتنا بتماسكنا فلا نجعلنَّ من هذا الحدث ذريعة للقطيعة . . ولا نحيلنَّ الاختلاف إلى خلاف .
و لنعط كل ذي حق حقّه