علاءالطائي ||
في بلدان الديمقراطيات المؤصلة تشكل الانتخابات التشريعية أو الرئاسية او المحلية فرصة ومفصلاً هاماً في حياة هذه البلدان حيث يتم من خلالها تجديد البنى والهيئآت القيادية وإعادة صوغ البرامج السياسية والإجتماعية والإقتصادية التي تلبي مصالح البلد والأمة من وجهة نظر كل حزب أو قوة أو شخصية ويجري التنافس على أصوات الناخبين وفقاً لهذه القاعدة ويتحمل الحزب الذي يحظى بالأكثرية مسؤولية تشكيل السلطة التنفيذية وتطبيق البرامج والأهداف الموعودة وحينما لايستطيع حزب بمفرده تشكيل الحكومة تتشكل الإئتلافات وفق قواسم مشتركة تلبي أهداف القوى المشاركة فيها كل بحسب وزنه الإنتخابي وكثيراً مايجري تبادل مسؤولية الموقع القيادي الأول بين الطرفين الرئيسيين في حال كانت الأوزان الإنتخابية متقاربة وعلى العموم فإن الانتخابات في هذه الديمقراطيات تشكل في غالب الأحيان قوة دفع للأمام بمعزل عن الصيغة التي تتمخض عنها ويسهم في ذلك وضوح الأنظمة والدساتير والتي غالباً ماتأخذ في الإعتبار كل الأوضاع الإستثنائية التي يمكن أن تنشأ بفعل العملية الإنتخابية وكذلك الصلاحيات الممنوحة لمختلف مراكز السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية للحيلولة دون حدوث فراغ دستوري أو سياسي أستذكر هذا ونحن راقبنا نتائج العملية التشريعية الأخيرة والتي عقدت وفق أسس مختلفة وأقصد غير أسس المواطنة الصرفة ذلك أن الواقع الراهن الذي يعيشه البلد جعل إتجاه تصويت الناخبين بكتلها الرئيسية هو إتجاه طائفي وأثني لذلك تبرز ثلاث كتل رئيسية تعكس الإتجاهات المذكورة دون أن يعني ذلك وجود كتل أخرى مختلفة عن الإتجاه الرئيسي ولكنها أقل تأثيراً ولذلك فالأكثرية هنا لاتقاس بعدد الأصوات التي حصلت عليها فقط رغم أهمية هذا العدد والذي يصبح مؤشر لوزن هذا الحزب أو ذاك ضمن طائفته أو كيانه السياسي أكثر من مؤشراً لنفوذ هذا الحزب في البلد بمجموعة ولذلك فالأصح أن تقول بوجود أكثريات وليس أكثرية واحدة وعليه فإن الحكم في ظل هذه الأحوال لايصح إلا بالتوافق والإئتلاف والشرط الرئيسي لنجاح هذا الإئتلاف هو غياب (الفيتو) من أي من الأطراف المشاركة فيه وبمعزل عن حجم القوى المشاركة فيه وهنا لاينبغي التعلل بالدستور لجهة الشكل فالدساتير ولاسيما الديمقراطية منها تدرك أن حقوق الأكثرية به مصانة ولذلك نعمل على صيانة حقوق الأقليات كي لانخضع لمزاج أو مصالح الأكثرية وبهذا فإن الحكومات الإئتلافية تشكل تعبيراً خلاقاً لتطبيق روحية الدستور وفي مجريات الواقع العراقي الراهن فإن إستمرار أزمة تشكيل الحكومة وبالعنوان الذي أخذته في هذه الدورة الحالية (الخلاف حول شخص رئيس الحكومة) ليس مبرراً بالشكل الذي أخذه الصراع عليه بل بالطريقة والوسائل التي جرى بها التعاطي مع هذه القضية بين قبول هذا ورفض ذاك وأخذ ورد وذلك إستناداً إلى موقف سياسي محدد جرى قبول الأخير ورفض من سبقه كما أن الرد على هذا الموقف لايمكن أن يحل من خلال الشارع (مظاهرات التأييد) أو بالألتفاف على هذه الأزمة عبر إعطاء وعود لكيانات أخرى (رئاسة الوزراء) إن هذا حتى لو نجح فسيفتح الباب أمام أزمات أكثر عمقاً مما هو قائم إن المخرج الحقيقي قائم في إدراك مجموع الكيانات المؤلفة للعراق بأن مصالحها جميعاً ينبغي أن تؤخذ بعين الإعتبار ليس في إطار تحالفات سياسية (فهذا حال القوى والأحزاب التي تنتمي إلى ذات الكيان) وإنما تأخذ طابع التحالف على المستوى الوطني (شكل وطبيعة النظام السياسي) بمعنى أنه إذا كان مجازاً قيام تحالفات إنتخابية بين التيار الصدري ودولة القانون فإن التحالفات التي تقوم بين تقدم والعزم أو الكيانات الكردية هي تحالفات ينبغي أن تكون أبعد من التحالفات الإنتخابية ودون ذلك ستبقى الإنتخابات مدخلاً لأزمة وليس فرصة لتأمين المزيد من الإستقرار السياسي والاجتماعي والإقتصادي والأمني... الخ وهو أمر مشروع يتطلب من مجموع ممثلي الكيانات والقوى المختلفة التنبه له وتوفير الأرضية الوطنية المناسبة لتحويل علاقات هذه القوى والكيانات ببعضها تستند وكما ذكرنا إلى المصالح الحقيقية والإستراتيجية لهذه المكونات في إطار العراق الواحد الموحد السيد المستقل ومن يرغب ويسعى فعلاً إلى الوصول إلى هذا الهدف عليه أن يؤمن إشتراطاته ومقوماته الرئيسية وأبرزها على الإطلاق صيانة (السلم الأهلي) بما يعني تأمين بيئة ومناخ سياسي إيجابي يؤمن إشراك أوسع كيانات وقوى الشعب العراقي في صياغة وتقرير واقع ومستقبل العراق على قاعدة شراكة حقيقية فاعلة وفي إطار من الشفافية والمحاسبة وسيادة القانون تضمن مراقبة أعمال السلطة التنفيذية إستناداً لتحقيق هذه الأهداف وبغض النظر عن إنتماء أو موقع أي من أعضائها إلى هذا الكيان أو ذاك عندها يتحول تنوع وغنى الطيف العراقي إلى مصدر قوة وعزة لكل مكوناته ينعكس إيجابياً ليس فقط على صعيد تعزيز (الشخصية الثقافية والإثنية والسياسية أو الطائفية أو الدينية) ولتصب جميعها في خدمة العراق الذي نرنو إليه نقيضاً لما هو قائم الآن حيث يمكن ان تتحول إلى مصدر للتناحر والتنافس والصراعات غير المبدئية وهو مايفتح الباب واسعاً أمام كل الإحتمالات بما فيها الأسوأ وهو ما ينبغي تفاديه بقليل من الحكمة وكثير من الصبر وتجاوز الفئوية البغيضة إلى رحاب الوطنية العراقية الأرحب فهي الطريق والمستقبل الواعد لكل العراقيين