صلاح التكم هجي ||
اسمه: عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان الفزاري، يُكنى بأبي مالك، وكان من صناديد العرب، وكان فظاً غليظاً جريء القلب بذيء اللسان والقول.
وقد تعمدت أن أذكر نسبه كاملا لأنه من أعرق الأنساب العربية، كما ترى يا عزيزي القارئ، ولو أردنا الإسهاب فربما أفردنا لكل شخص من آبائه مقالاً خاصاً لكثرة أمجادهم وعراقة نسبهم، ويكفي أن نذكر هنا أن جده حذيفة كان يلقب في الجاهلية بـ (ربّ معدّ) أي سيد قبائل عدنان كلها لفخامة نسبه ورجاحة عقله وعظم شرفه في العرب، فلا عجب إذاً أن هذا الصنديد الجريء (عيينة بن حصن) سيد قبيلة غطفان القوية، وكان إذا قام تبعه وقام معه عشرة آلاف رجل من قومه لا يسألونه فيم؟ ولا إلى أين؟ كما قال رسول الله أي أنهم يطيعونه طاعة عمياء لا يسألونه مع من نقاتل؟ ولا لماذا نقاتل؟.
وبرغم المكانة المرموقة والنسب الباذخ والشرف العريق والقلب الجريء، إلا أن هذا الرجل كان يعيبه عيب كبير أنه كان أحمق غير ذي رأي حتى سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (الأحمق المطاع)، وذلك لضياع رأيه وحماقته وقصر نظرته للأمور. والحقيقة أنه لولا لطف الله تعالى وحده بغطفان التي أنجاها منه ومن حماقاته، وإلا كان هذا الأحمق الأرعن سيورد قبيلته المهالك في سبيل آرائه العوجاء وأطماعه الشخصية هو، وليس من أجل قومه، ولا حبا فيهم ولا لمصلحتهم.
وله العديد من المواقف الحمقاء والمضحكة التي لا يسع المجال هنا لذكرها، ولكن من أبرز وأشهر مواقفه الحمقاء وقوفه مع يهود خيبر في وقت كان الإسلام يزداد قوة ومنعة، خصوصا بعد معركة الخندق التى هزم فيها الأحزاب وكان عيينة معهم فرأى بأم عينيه كيف انتصر الرسول على أكبر الجيوش التى عرفت في تاريخ العرب، ومع ذلك ذهب بقومه لينصر يهود خيبر، ففاوضه الرسول أن يرجع وله نصف ثمار خيبر فرفض، ولكن بينما هم في الطريق سمعوا منادياً يصيح فيهم أن أدركوا أهلكم، فعاد بجيشه مسرعاً لغطفان، فلم يجد شيئاً، ثم كر بقومه مرة أخرى إلى خيبر لينصر اليهود، فوجد الرسول قد فتحها فجاء هذا الأحمق البذيء لرسول الله يطلب منه نصيباً من غنائم خيبر (من سلب حلفائه الذين كان يريد الوقوف معهم ضد النبي) هكذا بكل وقاحة وغباء، ولكن النبي طرده ولم يعطهِ شيئاً.
والحقيقة أن هذا الأعرابي الجلف الفظ لم يكن يهمه نصر اليهود بقدر ما كان يغيظه انتصار الإسلام فجنى على قومه وحرمهم الإسلام مبكرين، وحرمهم أيضا من المال والخير بسبب تهوره وهوجه وقلة عقله.
واليوم نرى أشباه هذا الأحمق المطاع، وهم يجتالون يمنة ويسرة كأنهم حمر مستنفرة، فلا هم بالذين وقفوا مع الحق، ولا انتصروا لقومهم من ظلم، ولا دلوهم على رشد ولا وجد أهلهم منهم خيراً، بل دخلوا التاريخ مع نفس الباب الذي دخل منه أحمقنا المطاع هذا.
فلا تعجب عزيزي القارئ أن قدم المتنبي الرأي الراجح الرزين على الشجاعة الهوجاء التي في غير محلها والتي تورد صاحبها المهالك، أو بالأصح تورد أصحابها المهالك في سبيل مصلحة أحمق مطاع آخر.
الرأيُ قبلَ شجاعةِ الشجعانِ...... هــو أولٌ وهـي المـقـامُ الثـانـي
https://telegram.me/buratha