مازن البعيجي ||
اربعية الحسين عام ١٤٤٣ هجري
مرضية العاشقة للحسين عليه السلام، والتي فقدت أبنها الوحيد في سوريا من المدافعين عن الحرم، وكان كل عالمها والدنيا به معها جميلة ورائعة، كلما ذهبت إلى قبره تتوسل به وتقول: بني بحق العشق الذي كان بيننا وذاك السمر، وانت رفيق دربي الطويل بعد فقد والدك في أول عمري.. ولدي أقسم عليك بمن اطارت عقلك حتى نحرت روحك لأجلها - زينب الحواء - وتركتني في صحراء الشوق ولهيب نيران الحاجة إليك، بني توسط لي عند الحسين عليه السلام بأن يلحقني بك شهيدة..
كلما وصلت لقبره قبيل الغروب ومعها باقة ورد من الحديقة التي كان يعتني بها ولدها باقري، الشاب الجميل والثوري ومن عشاق روح الله الخميني العزيز والخامنائي المفدى، قد أكمل الجامعة فرع الهندسة المدنية، وكان حضوره ملفت ودائم الى مجالس أبي عبد الله الحسين عليه السلام، حتى رأته في ليلة كانت قد انهت فيها شوط عبادة وتوسل بالمعصومين عليهم السلام.. هذا الوقت كانت كورونا قد طرقت أبواب البلاد وخشيت مرضية أن تكون وفاتها على يد هذا المرض المنحوس وليس "الشهادة" العقيدة التي يتمناها ويعتنقها كل من عرف مذاق الحسين عليه السلام، خلدت للنوم ويدها مشغولة بتسبيح الزهراء عليها السلام وتتقاطر دموعها على وسادتها، تتذكر باقري الذي كان قبل نوم امه يجلس معها ويمسح على وجهها ويمسح بيده وجه، شغف كانت تراه منه لا تستطيع نسيانه..
هومت عيانها وإذا بعالم الرؤيا، تسمع صوت موكب ونعي في الشارع الذي فيه بيتها، خرجت مسرعة وإذا به موكب مهيب وشباب كالاقمار يدفعون بأدوات الموكب والصوت شجي وحزين تقول: خرجنا كلنا نحن أهل الحي وشاركناهم وهم يتقدمون مواكبا مواكبا من الشباب النوراني، آخر موكب كان فيه باقري! تعجبت وقلت كيف وهو شهيد، وأنا أتصور أنه ليس حلم؟! أشار لرفيق معه قال هذه امي نزل من المركبة وجاء إلي ولا أدري كيف حين عناقه ادخلته الى روحي العطشة وشعرت أنه أستقر بقلبي، وأنا امطر عليه من دموعي والتناهيد وهو يقبل يدي ووجهي بحرارة الشوق، وبعد ذلك قال لصاحبه وهو الذي يحمل سجل كتب عليه "شهداء أربعينية هذا العام"، قال سيدي سجل امي فهي تتوسل بالحوق بي وتتمنى..
نظر لها وقال هنيئا لك امي زيارة الحسين.. وودعونا وصرت أركض خلفهم حتى اختفى الموكب، حينها استيقظت من النوم على وقع بكاء حقيقي ودموع جارية على خدودي، حزنت كثيرا لرؤيا ولدي الحبيب..
وفي مساء اليوم التالي هناك شيخ روحاني في مسجد المدينة عُرف بالمكاشفات والعرفان، طلبت مقابلته، وقصصت عليه حلمي! فتأثر كثيرا وسالت دموعه بخشوع وحزن، وقال يا ام باقري ستذهبين هذا العام لاربعينية الحسين عليه السلام، قلت الأمر محال فالدولتين تمنعان الزيارة بسبب كورونا، قال لا عليك هذا ما سوف يجري، ولكن أمانة أن لا تنسيني بالدعاء وصلتي للحسين او لم تصلي!
وبعد كم شهر جاء وقت الأربعين وكنت قد أعددت كل مؤنة السفر، وتوجهت مع مجموعة الى منفذ الشلامچة، وهناك انتظرت خمسة أيام بذلك الحر والتعب، وهي قد اتخذت مصلى لها جنب حائط المنفذ، حتى جاء بعد مطالبات قرار فتح المنفذ وهرعت مع من هرعوا، وحدث التدافع وسقطت مرضية شهيدة وركلتها أرجل المتدافعين بشكل قهري حتى جاءت فرق الإنقاذ وجدوا أنها فارقة الحياة في سبيل الحسين عليه السلام، انا لله وانا اليه راجعون..