نعيم الهاشمي الخفاجي ||
عندما نتابع ما يتحدث به الكتاب والإعلاميين العرب حول سبب تخلف العرب وتقدم أوروبا يصاب بالإعياء والصداع لأن هؤلاء الكتاب والإعلاميين والذين يقدموهم كأصحاب اختصاص واستاذة علم أجتماع هم نتاج بيئة عربية جاهلة من المستحيل تنتج طبقات ثقافية متعلمة تستطيع تشخيص أماكن الخلل ويكون النقد لا للنقد فقط وإنما يتم اقتراح حلول بديلة للمشاكل السياسية التي تعصف في المجتمعات العربية.
الكثير يتساءل دائماً كيف وصلت أوروبا وأميركا لهذا المستوى من التطور والتسامح الديني والقومي في مجتمعاتهم رغم وجود مئات الأديان والطوائف والعقائد والجميع متعايش بسلام.
أوروبا شهدت حروب دامية لكن ظهرت بالساحة الأوروبية حركات ثقافية نقدت الموروث الثقافي والديني ووضعت حلول، بل تم إنشاء مدارس فكرية مثل مدرسة فرانكفورت لنقد الموروث الثقافي والسياسي وتم طرح البديل الأفضل، افكار مدرسة فرانكفورت وغيرها تناقش في جامعات باريس ولندن ونيويورك نقاشات مفتوحة وبكل حرية عن الأديان وتاريخها، في أوروبا الغربية ومنهم مملكة الدنمارك على سبيل المثال يعلمون الطلاب وهم في الصفوف الابتدائية والمتوسطة الفلسفة وتوجد في مكتبات الجامعات والمعاهد والمدارس آلاف الكتب والمجلات عن الفلسفة وعلم النفس والأنثروبولوجيا التي تدرس مراحل تطور البشرية وعقل الإنسان من آلاف السنوات.
أوروبا دعمت علماء الاجتماع والنفس والفلسفة، الألماني مارتن لوثر كان قس مسيحي ، ولد قبل أكثر من 500 عام، خدم أوروبا عندما نقد الموروث الديني ووضع الحلول البديلة التي لم تقوم على استئصال الفكر الديني والقضاء عليه وإنما طرح حلول وأفكار تكمل أماكن الضعف في الفكر الديني المسيحي وليس لتحطيمه، كان الاعتقاد المسيحي بالقول أن أن الخلاص يجب أن يتم عبر تعذيب الذات بسبب الذنوب، وهذا المعتقد كان يرهق الناس في تعذيب أنفسهم لنيل الغفران لذلك مارتن لوثر طرح بديل بالقول أن الخلاص والنجاة نعمة من الله وان الرب يرحم البشر بدون أن يرهقوا أنفسهم ويطهروها من الآثام المتخيلة، هذه الطرح تقبلته طبقات أوروبا المثقفة، ايضا مارتن لوثر أقدم على ترجمة الإنجيل والتي كانت مكتوبة في اللغة اللاتينية والتي كانت يقرأها فقط رجال الدين المتخصصون مارتن لوثر ترجم الكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية المحلية واصبح الكتاب المقدس في متناول جميع الناس، مارتن لوثر نقد وجود الفارق مابين الفئات الدينية المسيحية التي تعيش في بذخ عالي على عكس ملايين الفقراء والذي يفتك بهم الجوع والمرض والفقر،
الفضل بالترجمة والكتابة يعود للطفرة العلمية التي حدثت في أوروبا عندما تم اكتشاف الآلة الطابعة ولولا الآلة الطابعة لما تم كتابة الكتب وإصدار الصحف والمجلات، العلوم والاكتشافات يكمل بعضها البعض الآخر لخدمة الإنسانية،
لوثر لم يحارب الدين للقضاء عليه وإنما أفكاره أسست بعد وفاته المذهب المسيحي البروتستانتي حارب بدعة صكوك الغفران التي كانت باب ومصدر رزق لجمع القساوسة لثرواتهم لأنهم يغفرون الذنوب عن العاصين والمذنبين التي تدر عليهم ملايين بل مليارات الدولارات.
الوضع العربي تصادم مع افكار الوسطية بسبب تبني العرب للفكر البدوي المتعصب، رحم الله عالم اللاهوت الدنماركي المسيحي بدرسن الذي توفي عام ٢٠٠٠ ودفن في مقبرة اودنسه كتب كتاب اسماه علي ومعاوية وضع على غلاف الكتاب صورة شجرتين الأولى شجرة جرداء كتب عليها معاوية، والشجرة الثانية خضراء مثمرة كتب عليها اسم علي بن ابي طالب، قال بدر سن أن الدين الذي جاء به محمد و قاتل على تأويله ابن عمه علي بن ابي طالب ع يحتوي على نصوص تصلح أن توضع في دساتير البشرية لأنها تخدم الإنسانية، وقال إن قريش قبلت بهذا الدين ورفضت التخلي عن تقاليد الجاهلية لذلك حكمت قريش الآخرين في اسم دين محمد وطبقت تقاليدها الجاهلية….الخ
العرب ليومنا هذا يحكمون في عقلية البداوة والتخلف لذلك لامكان إلى الإصلاح الديني لدى العرب على خلاف الإصلاح الديني الأوروبي الذي كان بداية النهضة الأوروبية وبداية التخلص من التعصب الديني، و أعقبته حقب فكرية مهمة مثل التنوير والأنوار والحداثة وحتى هذا اليوم.
بل بريطانيا عندما احتلت سواحل الجزيرة العربية وحسب قول المستر هونفر وزير المستعمرات البريطاني اعترف أنه أشرف على تأسيس الوهابية في دعم رجل دين متعصب بعقلية بدوية وهو محمد عبدالوهاب ودعم زعيم قبلي وهو ابن سعود ونجحوا في نشر التطرف الوهابي لقتل الشعوب العربية والاسلامية، الليلة الماضية حدثت جريمة مروعة في المقدادية في محافظة ديالى العراقية عصابات وهابية هاجمت قرية لعشيرة …
في الاربعين سنه الاخيره التي حكم بها البعث (١٩٦٣-٢٠٠٣) كانت الدوائر الاستكباريه هي من يدير دفة الحكم في العراق وبرمجة الافكار من خلال تنظيراتهم الخبيثه والمرعبه والتي انتجت هكذا حزب سلطوي متفرد ليس له علاقه بالدين والعروبه لامن قريب او بعيد واختارت له (دمى) من ذوي الجاهلية والبداوه والقبليه المتعصبه وضعتهم في القمه ليمثلون دور ادارته تحت ظل شعارات زائفه في الوحده والحريه والاشتراكيه التي لم نجد تجسيدا لها الا في الوحده في الزنزانات الانفراديه والحريه في( بيت الراحه) والاشتراكيه في المظلوميه للجميع... مع اظهار العداء لهذه الدوائر الاستكباريه ورفع شعار تحرير القدس ولكن عن طريق خارطه عكسيه تبدأ بتدمير الانسان وسلب ارادته مرورا باحتلال الكويت فالحجاز الى اليمن فالبحر الاحمر فالمحيطات وصولا الى القدس!!!... لقد مارسوا هذه السياسه على مدى جيل كامل ومازال الاستكبار يغذي المجتمعات بهذه الافكار الغريبه والشاذه لاسيما فيما يتعلق بالعداء لايران الدوله الوحيده التي وقفت مع العراق في حرب الاباده التي تعرض لها.. وجعل الكثير من الناس البسطاء يصدقون بان ايران هي عدو العراق التاريخي وهذا أخطر منعطف يمر به العراقيون بحيث لايميزون بين العدو والصديق... فنحن اليوم بحاجه لتوجيه البوصله وجهتها الصحيحه وهذا لايتأتى الا من خلال بناء جيل( وربما أجيال) قادر على التغيير للوصول الى بر الامان وهذا الامر يقع اولا على عاتق المفكرين الوطنيين المتسلحين بسلاح العلم والمعرفه ويصارعون الامواج العاتيه التي في طريقهم...