اياد رضا ال عوض||
من المعروف ان الشخصية العراقية التقليدية، أهم ما تتميزت به اضافة الى الصفات والمميزات الاخرى هو الازدواجية في السلوكيات والمواقف والرؤى والتصريحات والتعامل وعلى مستويات مختلفة والتي منها على وجه الخصوص، السياسية والاجتماعية ، وهذا ما اوضحته في سلسلة مقالاتنا التي حملت عنوان (ملامح من صفات الشخصية العراقية النمطية واثر ذلك على الواقع السياسي المعاصر) والذي سبق ان نشرناها على صفحتنا في الفيسبوك.
اليوم نتحدث عن ازدواجية شائعة اخرى في كيفية التعامل مع الطبقات المختلفة ، فعلى سبيل المثال ان المريض عندما يذهب الى الطبيب يدفع اجور الفحص واجور التحليلات المرضية والتي بعضها ذات كلفة عالية (كالايكو والمفراس والرنين) وغيرها ، وكذلك ثمن الدواء وكل هذا يتم الدفع فيها بشكل فوري ودون اي مساومة (العملة) ، لان هذه المجالات من غير المعروف او المعتاد ان تخضع لمساومات في التعامل .
وهذه بمجملها تكلف على الاغلب مبلغ لا يقل عن مائه وخمسون الف دينار ، اما اذا كان المريض قد ذهب الى المجمع الطبي في الحارثية فمن المؤكد ان المبلغ هو اضعاف ما ذكرناه وبالشكل المعروف الان عند العراقيين ...
ولكن عندما يعود هذا المريض الى داره ويقوم باستئجار تكسي لإيصاله ، فانه تراه يدخل في مساومة طويلة عريضة مع سائق السيارة من اجل تقليل الف او الفين دينار من الاجرة ، وبالنتيجة ، فهو في كثير من الاحيان يفرض رأيه على سائق التكسي الذي يقبل مرغما ، لكثرة سيارات الاجرة المنتشرة الان في شوارع بغداد .
وهنا نجد ان المريض يصعد الى السيارة وهو في حالة زهو ونشوة لأنه استطاع الانتصار على السائق المسكين وربح معركة المساومة (العملة) .
وفي الحقيقة ان هذا يذكرنا بإحدى التمثيليات القصيرة التي كانت تذاع من دار الاذاعة العراقيه في صباح كل جمعة قبل انشاء محطة تلفزيون بغداد عام 1956 ابان العهد الملكي ، والتي كانت معظمها تتناول احد المواضيع الاجتماعية .
وفحوى العمل الدرامي كان ان احد اصحاب المحلات يذهب الى سوق الشورجة ويتسوق بضاعة من احد التجار ولما اكمل الشراء قام التاجر بقطع وصل بالبضائع التي اشتراها وكان مبلغها ذلك الزمان لا يتجاوز 10 او 15 دينار ، وقد كان هذا مبلغا كبيرا ، وكما هو معتاد فان احد الحمالين كان واقفا امام المحل وهو رجل كبير السن ، حيث طلب هذا الشخص من الحمال ان يوصل البضاعة الى محل وقوف السيارات ، الا انه طلب من الحمال ان يبين الاجرة التي يطلبها والتي كانت ما بين 25 الى 50 الى مائة فلس ، ولكن الحمال رد عليه بان ما يعطيه هو من نعم الله.
الا انه اصر على الحمال ان يذكر المبلغ والحمال يقول له الذي تعطيه هو من نعم الله وعندما اصر على ضرورة معرفة المبلغ ، قال له الحمال اني واقف هنا وشاهدت كيف دفعت مبلغ البضاعة من دون مساومة وعلى الفور ، فلماذا تساومني على هذا المبلغ الزهيد الذي لا يساوي شيء مقابل المبلغ الذي دفعته الى التاجر؟؟!! ...
وكم هنالك من مثل هذه الصور والنماذج لهذه الازدواجية العجيبة السيئة التي نراها في هذا المجتمع الذي فتكت به هذه الامراض الاجتماعية الخبيثة واوصلت البلاد الى هذا الحال ، وهذه المأساة .
https://telegram.me/buratha