مازن البعيجي ||
قد يتفق معي البعض ممن زار مسجد جمكران وشاهد جمال ذلك المكان والروحانية المتميزة والجاذبية الساحرة فيه، بل وفي سائر مراقد واضرحة أولاد المعصومين "عليهم السلام" والمقدسين من ذراري الأنبياء والصالحين. السبب في ذلك واضح حتما، وهو إستخدام انواع الفنون وأساليب استقدام المؤمنين إليه، بل وقد لعب الإعلام الديني والتوجيهي دورا فاعلًا في لفت العقول، وجذب الأنظار، وشدّ الأرواح صوب تلك الأماكن لتشكّل ناحية مقدسة كالواحة الخضراء بمسالك مختلفة كلٌّ يسوقك الى سبيل، فإذا حان قت الصلاة ترى الناس من كل حدب وصوب تولّي الوجوه نحو القبلة لتأدية الفرض الواجب ثم لتستريح نفوسها في تلك الباحات الفارهة والجميلة لتعطي الروح حاجتها من نجاوى، وابتهال، ودعاء.
وإن شاء المرء أن يسير هنيهة تأخذه رجليه حيث منصّةُ إعلام تخصصيّ يستقطب ويؤثر وينشر المفاهيم الروحية الأخاذة لتكون هي المحرك في دفع الناس والمؤمنين الى تلك البقاع التي نحن نحجّ إليها من شاسع المسافات طلبًا للتعرف والتزود والاستجمام القلبي الجوانحي، وقد نرى تلك الأماكن يحاول البعض استهدافها عبر الإعلام التسقيطي الموجّه ضد رمزيّتها ورموزها والذي يحاول المغرضون نزع ألَقها وكيميائها الفاعلة، إذ ليس هناك مضاد فعّال سوى خلق إعلام تخصصيّ يقف بوجه كل المخطّطات التي هدفها التقليل من شأنها وإبطال مفعول التأثير لهذه الأماكن الرمزية العقائدية والروحية.
في الوقت الذي تنتشر مثل هذه المحطات المقدسة في العراق كما في إيران ولعلها أكثر مع غياب استغلالها والانتفاع من مضامينها السامية والسبب الذي جعل الفارق واضحا بين الدولتين من الناحية الفنية حيث هذه الجهة تتكاسل وتتهاون والأخرى تثابر وتجاهد من أجل ديمومة ترويج الصور المعنوية الناصعة لتلك المشاهد والمراقد والمساجد هو الاهتمام بذات المادة الإعلامية الروائية المعصومة التي أطلقها المعصومين "عليهم السلام" وهذا خير دافع يدعو الى جعل مثل هذه الأماكن مركزَ إشعاعٍ ومنبرَ تبليغ ومحطةً إذاعية مرئية كما يفعل أولئك المروّجون لبضاعة تاجر ذكي حاذق يريد بيع كل ما يملأ مخازنه من البضائع بغية الأرباح، وذلك بفعل الإعلام المقدَّم بكل فنون تأثيره الفاعل لجلب الناس بعد تزويدهم عبر المشوقات، فما بالك والبضاعة نور من خزائن الملكوت المودَعة في نهج آل محمد "عليهم السلام" وهم معادن التأويل وينابيع الحكمة وخزّان علم الله!! فحريّ بمن عرفهم سيما القائمين على شؤونها أن يتّخذوا من مراقدهم ومقاماتهم "عليهم السلام" مراكزَ ومحطات تزويد البصيرة والوعي التي تجعل طلاب الحقيقة من المسلمين وغيرهم يحجون الى تلك المساجد والبقاع للتزود والسياحة.
وليتنا نجد ماوجدنا في مسجد جمكران كنموذج أمثل في مسجد الكوفة والسهلة وبراثا وغيرها من المساجد على وفرتها في العراق بلد المقدسات الفراغ الذي نشاهده مثلا في مسجدي السهلة والكوفة اللتين جاء فيهما من الروايات لو استخدمها الإعلام الحرّ التخصصي في التعريف والتوضيح ونشر الحقائق لاصبح الدخول إليها بالدور وتسجيل الأسماء قبل وقت طويل لنيل شرف الصلاة فيها والتزود منها على الصعيدين المعنوي والمادي.
"البصيرة هي ان لا تصبح سهمًا بيد قاتل الحسين يُسَدَّد على دولة الفقيه"
مقال آخر دمت بنصر ..