مازن البعيحي ||
كنت مسرعًا لتأخري عن موعد الطائرة والتي يفترض أن تقلع في السادسة صباحا، وسبب تأخري ابنتي التي علمت ليلًا بسفري المفاجئ ثم نامت بصمت وقلبها يغلي ألما لقرار السفر عندما استرقت السمع أنه سفرٌ لأجل العلاج وما وصيتي لامها بالاهتمام بشؤون العائلة لو حدث لي اي قدر بعد مماتي وهذا مازاد في قلقها..أمر كان ينبغي ان احرص على عدم وصول وصيتي الى مسامع صغيرتي التي أمثّل لها كل الطمأنينة والحارس الأمين.
بعد صلاة الفجر بينما هي نائمة قبّلتها واحسست بلسع حرارة خدها الرقيق لإرتفاع درجة حرارتها،
حاولت عبثًا تدارك الأمر مع صعوبة تأخري عن موعد الطائرة المنضبط غالبا، وبمثل حرقة قلبي وقلقي واضطراب جوانحي لاجل ابنتي الصغيرة، وأنا احث أصابعي على مسبحتي الطينية واهمس لها بقلق أن تساعدني ببركات ما تلطخ ترابها من عبق دماء لا يُرد دعاء من لامسها.
وصلتُ محيط ماقبل المطار ببضع أمتار، هنا سرح بي الخيال وطافت روحي التي رقّ لها جانبٌ بسبب الخوف على ابنتي، ولا أعرف كيف هوّمَت أطراف اناملي عن مسبحتي التي كنت كمن يتناغم معها، أبث لها شجني، واحمّلها اضطرابي، فطلبتُ من السائق الذي أخبرته بتأخري أن يتوقف، فتعجب وقال: اين في هذا المكان الخالي!؟ قلت أنت تراه خاليًا وابتسمت بسمة يشوبها ندى الجفون التي تقف عندها الدموع، وأنا اراه صرحًا رساليًا نابضا بالحياة، وايقونة فداءٍ كما فداء من قال يا نفس من بعد الحسين هوني..
ترجّلتُ ومعي ترجّلت تلك الليلة المرعبة ماثلة بكل تفاصيلها وأنا اغطّ في نومٍ عميق جراء تعب النهار لأوفّر طاقة تعينني في اليوم التالي، وإذا بكفّ ولدي تهزني مضطربة..بابا بابا استيقظ ارجوك!! يقولون ان حارس الإسلام ورفيقه قد قضى نحبهما ، لقد استُشهدا ياابي هكذا انتشر الخبر!!!
وبين بطئٍ بالفهم لايريد التصديق الخبر ومشاعر ليست على استعداد لاستيعاب ماسمعت، هرعتُ باكيًا متعثّرًا، ماذا تقول؟!! قال اتصل بالنت وتأكد لنا من الأصدقاء لعل الخبر اشتباها ياابي،
فعلا دخلت على برامج التواصل فعجّت الإشعارات تناقض نفسها، وكل خبر يكذّب صاحبه، وهاجت الحروف وماجت الكلمات، والسطور بدأت تنصبُ سرادق التعازي لمجهول تخشى التصديق له! حتى وقع ناظري على تلك اليد التي أعرفها قبل ثلاثون يوم بالتمام، حيث لازال عطر نعومتها ورقراق حنانها لم يفارق مشامّ حواسي، عندها صدقت الاخبار وسال للروح قطر اختلف عن كل قطر!
هنا استيقظت من خيالي، أنه الطيف الذي أخذني في هذا المكان وأنا أحدق بعيون الأمل والأماني لأرى صرح الزمان التي ستعلوا له قبابًا ونياشين، يخشى كل مسافر يمرّ من هنا تخطّي القباب النابضة حياة دون اداء ركعتان قبل ذلك السفر قبل الدخول إلى ممرات المسافرين، وتلك الحدائق الغناء بأخضرار أوراقها تتراقص جذلى الى بُعد مسافة دونم من رواق الشهداء، كأني رأيت منارة ونخيل باسقات وقبة بطراز بهيّ وهيكل سيارة قد نُصبت على ربوة عالية تحكي حادثة الخلود ماسيجعل من ذلك المزار المأمول محطة نور وذكرى بأضواء تنير بألوانها ذاكرة التاريخ الذي سوف يهمس للغادين والعائدين والمارّين دون سفر
(هنا مطار سليماني والمهندس لمن شاء التحليق من سمائنا والهبوط في رياضنا الشهداء)
{سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللهِ حَقًّا} النساء ١٢٢