المقالات

الأنسداد السياسي            


يونس الكعبي ||

 

يكثر هذه الأيام أستخدام مصطلح "الأنسداد السياسي" ، خصوصًا بعد أعلان نتائج الأنتخابات البرلمانية الأخيرة والمصادقة عليها من المحكمة الأتحادية العليا. أن مصطلح الأنسداد السياسي Political Occlusion  يعني بقاء النظام السياسي مغلقاً على مجموعة محددة من المكونات فقط ، فيرتبط الوصول الى ذلك النظام بالولاء للدوائر المحيطة بمجموعة السلطة وأصحاب القرار ، ويبقى مستقبل البلاد رهيناً بتوجهات هذه المجموعة التي تشكل جوهر النظام ، وسواء تغيرت تشكيلة المجموعة بمرور السنين ، أو توسع عددها ، أو أنخفض ، فأن وجودها يظل ثابتاً ، ولا يمكن تخطيها للوصول الى السلطة. وفي العراق منذ عام 2003 وصلنا لهذه الحالة عدة مرات في صراع علني على مراكز القوة والنفوذ والسلطة بين الأحزاب الحاكمة ، ووصلت بعض الأحيان الى الصراع المسلح فيما بين المتنافسين على الحكم ، فالبعض كان ممتعض من كون الأحزاب الشيعية تحصل على تمثيل نسبي في البرلمان والحكومة بأغلبية واضحة ، لذلك كانت هذه الجهات تضع العراقيل أمام تشكيل الحكومات المتعاقبة ، ووضع شروط للمشاركة في الحكومة. وكادت تصل العملية السياسية الى الفشل بعد احداث عام 2019 بعد التظاهرات التي عمت ارجاء العراق بما فيها العاصمة بغداد ، وأنقسمت الكتل السياسية فيما بينها بشكل حاد انتهاءاً بسقوط حكومة السيد عادل عبد المهدي وتكليف حكومة السيد الكاظمي بعد صراعات طويلة وحالات أنسداد سياسي امتدت لأشهر عديدة قبل أنبثاق الحكومة الحالية. ولا أحد ينكر الدور الأقليمي والدولي الذي لعبته الولايات المتحدة وبعض دول الجوار في تصعيد الأزمة السياسية في العراق ، في تهديد واضح للعملية السياسية وصولاً الى مرحلة الأنسداد السياسي ، وحصلت حالات أنقسام حاد داخل الأحزاب الحاكمة وصلت بالبعض الى النزول مع المتظاهرين وتأييد مطالبهم مما عقد المشهد السياسي أكثر. هذا المفهوم يقودنا الى مفهوم آخر هو "الأضمحلال السياسي" ، وهو الفرضية التي قدمها المفكر الأمريكي صامويل هنتنغتون في كتابه (النظام السياسي في مجتمعات متغيرة) ويفسر من خلالها أزمات النظام السياسي التي تكون نتيجة أنعدام التوازن بين البنية السياسية والتوجه نحو سياسات التحديث التي تريد الأنتقال بالمجتمع من نمط تقليدي الى نمط حديث. يحاول هذا المفكر أن يقول أن مشاكل عدم الأستقرار السياسي تؤدي الى تقويض تدريجي لسلطة الحكومة ، وتصبح الحكومة ضعيفة وغير فاعلة وقد تفقد شرعيتها نتيجة كثرة الأحتجاجات والتظاهرات ، مما يؤدي الى بطء الأداء الحكومي ويرافقه بطء في تطور المؤسسات السياسية مما يزيد النقمة الشعبية على هذه الحكومة. تعاني الكثير من البلدان النامية من مجتمعات مفتتة سياسياً ، ومؤسسات السلطة ضعيفة وجامدة ولامرونة فيها ، ولا تمارس حكماً وأنما سلطة. وتحدث الفجوة السياسية عندما تواجه حركة المجتمع الديناميكية جمود النظام السياسي بحيث يعجز هذا النظام عن الأستجابة لمتطلبات الأجيال الصاعدة أو الجزء الأكبر من الجماهير وهنا يشعر هذا الجمهور بالاحتفاظ بالأحباط لعدم مشاركته بالحياة السياسية. ملامح هذا الأضمحلال السياسي في العراق تتمثل بالحركات الأحتجاجية والمطلبية ، يقابلها واقع سيء وحكومة عاجزة وبرلمان محكوم بزعماء الكتل السياسية ، ويكون دور أعضاء البرلمان من خلال اللقاءات التلفزيونية أكثر من عملهم داخل البرلمان ، وطبقة سياسية مشتتة لا تجتمع الا على مصالحها وتقاسم المغانم بعيداً عن النظر الى تطلعات المجتمع ، لذلك نجد أن تغيير الحكومات المتعاقبة لا يغير من الواقع شيئاً ، وأنما مزيد من الفوضى والخراب ، ويوسع دوائر الفساد والفشل. لذلك يمكن أن نقول أن النظام السياسي في العراق يعيش حالة اضمحلال ، ولكن ما يمنع أنهيار هذا النظام هو عدم وجود بديل لهذا النظام السياسي ، وكذلك رغبة أقليمية ودولية ببقاء هذا النظام السياسي الحالي رغم تناقضاته
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك