نعيم الهاشمي الخفاجي ||
عندما انهار الاتحاد السوفياتي تفككت المنظومة السوفياتية الشيوعية بشكل كامل، بل وصلت الانهيار إلى داخل روسيا الاتحادية نفسها، وسيطرة عصابات القتل والخطف والجريمة على العاصمة موسكو، بل خرجت الجمهوريات السوفياتية وأعلنت استقلالها، وزير خارجية السوفيت أصبح رئيس لجورجيا إدوارد شيفردنادزه (25 يناير 1928 - 7 يوليو 2014)، رئيس جورجيا من عام 1995 حتى استقالته في 23 نوفمبر 2003، ايضا قائد سلاح الجوهر السوفياتي المسلم الشيشاني جوهر بوغدانوف أعلن الحرب ضد روسيا ومدته السعودية في آلاف الانتحاريين من حكومة طالبان الأولى وتنظيم القاعدة ومنهم الإرهابي السعودي الوهابي ضياف، يلتسن سلم بوتين رئاسة الحكومة واستطاع أن يحكم سيطرته على روسيا، استطاع العملاق بوتين إعادة مجد روسيا وأصبح لها دور بارز في العالم في يومنا هذا، يعود هذا المجد إلى شخص الرئيس فلاديمير بوتين الذي حول هزيمة سقوط السوفيت وكان شاهدا عليها وأُصيب بالإحباط والاكتئاب، في يوم الإعلان عن سقوط جدار برلين عندما كان ضابطاً في مكاتب «كي جي بي» في ألمانيا الشرقية وشاهد من مكتبه وسائل الإعلام ومن خلال شاشة التلفزيون في مكتبه الخاص انهيار جدار برلين عام ١٩٩٠ واندفاع الحشود باتجاه الجهة الغربية من المدينة. وذكر الكاتب الروسي أندريه كوليسنيكوف الذي وثق أحداث ذلك اليوم الأسود بتاريخ روسيا، حيث ذكر انه دارة مواجهة بوتين مع حشود متظاهرة حاولت اقتحام مركز «كي جي بي» في مدينة دريسدن الألمانية فتوجه إليهم منفرداً وقال لهم إن المركز هو أرض روسية وإنه سيطلق النار على كل من يحاول اقتحامه، فتفرَّق بعدها المتظاهرون، وهرع هو إلى المكاتب لإتلاف الوثائق والتقارير السرية وإخلاء المركز بسرعة تحسباً لعودة المتظاهرين.
غادر القيصر بوتين ألمانيا الشرقية والتي أصبحت ألمانيا الموحدة عائداً إلى موسكو، وهو حزين ورأى الذل والمهانة وكيف أصبحت العصابات مسيطرة على شوارع موسكو وظهر دور بروز تجار اشتروا مصانع الأسلحة وساءه الانهيار المذل وألقى باللوم على قيادته الخانعة المستسلمة، وقد وضع في نفسه أنه أن تمكن من الوصول لسدة القرار سوف يعيد أمجاد روسيا، يلتسن منحه الفرصة سلمه رئاسة الوزراء، استعان في جهاز المخابرات السوفياتي السابق واستطاع بناء منظومة استخبارات قوية، وسيطر على مفاصل الدولة بالتدريج، ومن ذلك اليوم يسعى في تحقيق هدفه المنشود منذ أن تمكن من حكم البلاد إلى أن يعيد مجد روسيا كقوة عظمى في العالم إلى ما كانت عليه في الحرب العالمية الثانية.
لنعيد الذاكرة إلى عام ٢٠٠٨ اي قبل ١٤ سنة تقريبا عندما حدثت المواجهة المسلحة بين روسيا وجورجيا، كيف تقدمت القوات الروسية في جورجيا وكادت تصل إلى العاصمة نفسها، حتى بوقتها قال عن بوتين الرئيس الأسبق جورج بوش الابن إنه رأى في عيني بوتين الصدق، بل كان الهجوم على جورجيا بوقتها بعد أحداث سبتمبر أيلول الإرهابية، وغزو أميركا لكل من أفغانستان والعراق، كانت الغاية إعطاء رسالة أن روسيا قد إعادة ترتيب وضعها من جديد وعندما دخلت قوات روسيا إلى جورجيا لم يتدخل بوش الابن عسكريا في جورجيا.
ولو يحصل كذلك صراع مسلح في أوكرانيا فإن اول الرافضين هم الجمهوريين، وعلى رأسهم ترمب.
فلاديمير بوتين استطاع أن يعيد الروابط ما بين شعب جمهورية روسيا الاتحادية مع شعوب جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق بشكل قوي واستطاع تقوية الروابط التاريخية ما بين روسيا وشعوب جمهوريات السوفيت السابقة من خلال العامل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، بوتين الجديد تخلى عن الفكر الشيوعي وعاد إلى الكنيسة المسيحية كم كمؤمن جيد وورع وايضا احترم أصحاب الديانات الأخرى ومنهم الديانة الاسلامية، في إحدى زيارته إلى إيران جلس في مجلس مرشد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي وهو بشكل موقر على وجهه يظهر علامات الاحترام والإيمان بالله عز وجل، نازل بوتين من اجل عمل منظمة الأمن الجماعي التي ضمت طاجيكستان وأرمينيا وقيرغيزستان وبيلاروسيا وكازاخستان وكذلك أقام «الاتحاد الاقتصادي الآسيو-أوروبي» الذي ضم دولاً أخرى خارج آسيا الوسطى، أن ما يطمح إليه الزعيم الروسي بوتين ليس إعادة ضم الشعوب في دول الرابطة للدولة الروسية أسوة بالحقبة السوفياتية وإنما تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي والأمني لافشال اي محاولات انقلابية لاسقاط تلك الأنظمة من خلال الدعم الغربي لكذبة حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، لنا بقضية تسليم الشعب الافغاني لطالبان أكبر مصداق لكذب نشر الديمقراطية، ولننظر لذبح الشعب اليمني بظل دعم دول الغرب لدول العدوان أكبر كذب على احترام حقوق الانسان، لم يكلفوا أنفسهم بوقف الحرب وفك الحصار عن شعب مسكين تعرض لغزو منذ سبع سنوات.
بوتين ايضا غير معتقداته الشيوعية وأصبح مؤمنا مسيحيا لذلك ايضا هو يعي أن الشعوب التي أعلنت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي جربت حكم نفسها وانتهت حقبات القبول بحكم الآخرين مثل الحقبة السوفياتية وبدأ عصر جديد في التعاون الاقتصادي والثقافي والعسكري.
الخلاف الروسي - الأوكراني لم يصل إلى احتلال أوكرانيا ابدا، روسيا تعلم أن هناك من يريد توريط روسيا في احتلال أوكرانيا ليتم محاصرتها اقتصاديا بعدم شراء الغاز الروسي إلى أوروبا وسبق إلى ترامب عرض شراء أوروبا الغاز والبترول الأمريكي وانه يمد أنبوب غاز يربط أمريكا وأوروبا عبر المحيط، دول الناتو في اسم دعم منظمات مجتمع مدني استطاعوا عمل ثورات اطاحت في دول كانت موالية إلى روسيا وتم وضعها مع المعسكر الغربي ولنا في ثورة الأورانج التي أطاحت بالرئيس فيكتور يانيكوفيتش الموالي لموسكو، عندما تم الاطاحة بالرئيس المحافظات ذات الغالبية روسية في شبه جزيرة القرم قامت في عمل مواجهات مسلحة انتهت في إعلان مناطقهم إلى مناطق مرتبطة مع روسيا بل وتم الإعلان عن استقلال جمهوريتين في القرم لكن الدول الغربية إدانة إعلان الاستقلال أو الضم إلى روسيا وعلى رأس تلك الدول الغربية الولايات المتحدة.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اعلن أن بلاده لن تسمح بانفصال القرم عن روسيا الأم و تمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وأضاف أن هذه أمور وجودية روسية.
إفشال إسقاط نظام كازاخستان التي كانت أولى الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي والدولة الأكبر مساحهً في آسيا الوسطى والأغنى بسبب النفط، كانت عملية افشال محاولة إسقاط النظام تجربة لنجاح تجربة الأمن المشترك الذي عمله بوتين.
بسبب دق طبول الحرب ضد روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا، شاهد العالم وجود تعاون لأول مرة ما بين الصين وروسيا، وكذلك وجود تعاون مع إيران، وسبق إلى وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر حذر من وجود تعاون ما بين الصين وروسيا، والآن بسبب دق طبول الحرب على الصين وروسيا رأينا بروز تعاون ما بين العملاقين الصين وروسيا.
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
29/1/2022