يونس الكعبي ||
الأعلام رسالة هادفة ، تهدف الى إيصال الحقيقة الى الجمهور ، وتحديد التوجهات الهامة للمجتمع ، كذلك يوصف الأعلام بأنه يحمل رسالة منذ أن كان الأعلام يعتمد على الصحافة كوسيلة نشر قبل انتشار باقي الوسائل المسموعة والمرئية.
وبرز العديد من رجال الصحافة في العالم ككتاب ومفكرين مشهورين أثروا كثيراً في الرأي العام ، لكونهم كانوا يمثلون الرأي الأكاديمي الحصيف بعيداً عن التحيز لهذا الطرف او ذاك ، واليوم بعد تطور وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وأضيفت لها وسائل التواصل الأجتماعي أصبحت المعلومة في متناول الجميع وبأسرع مما يتصور البعض ، فأصبحت هذه الوسائل الأعلامية واجهات سياسية للجهات المالكة لهذه الوسائل ، ومواقع التواصل الأجتماعي موقع للدعاية الحزبية والترويج لأفكار هذا الحزب أو الفئة أو المجموعة.
والقنوات الفضائية أصبحت هي الأخرى واجهة دعائية للمالكين سواءً دولاً كانوا أو مؤسسات أو أفراد ، حيث أن معظم القنوات الفضائية المشهورة تمثل وجهة نظر المؤسسة التي تدعم هذه القناة ، لذلك غابت صفة الحيادية أو رسالة الأعلام التي تدعيها هذه القنوات ، وأصبحت برامجها مؤدلجة وموجهة لغايات سياسية واضحة.
ومقابل هذه الوسائل الأعلامية المغرضة ، هناك دور للأعلام المقاوم والملتزم بقضايا الأمة ، وكان خير واجهة أمام العالم في أيصال الحقيقة والصورة الواضحة عن قضايا الأمة مقابل هذا الأعلام الأسود الذي يزور الحقائق ويبتعد عن المهنية في عمله ، وكان لهذا الأعلام دور بارز في أظهار دور الحشد الشعبي في معاركه ضد عصابات داعش الأرهابية ، وكذلك سلط الضوء على الدور البطولي لمحور المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا واليمن والبحرين ، وكذلك مظلومية الشعوب الأخرى التي عانت من الاضطهاد مثل قضية فنزويلا ومعاناة المسلمين في البوسنة وبورما وبعض الدول الأفريقية.
وفي العراق بعد الأحتلال الأمريكي عام 2003 ، تطورت وسائل الأعلام بصورة سريعة وفاعلة مع تقدم وسائل التواصل الأجتماعي وأمتلاك معظم الأفراد أجهزة ذكية تتعامل مع الخبر بصورة سريعة ، ولكن للأسف أستغل الأعداء هذه الوسائل في أشعال الفتنة الطائفية بين أبناء البلد الواحد ، وأدت الى ظهور التنظيمات الأرهابية التي عاثت بأرض العراق فساداً وقتلاً وتدميراً ، ونتيجة لهذا الضخ الفكري بين أوساط الشباب أنخرط العديد منهم في هذه التنظيمات التي صورت لهم أن هذا العمل هو جهاد شرعي وواجب مقدس ، أدرك الجميع متأخراً أن هذه التوجهات خطيرة ومأجورة وتقودها مخابرات دولية الغرض منها تفتيت هذا الوطن وتخريب النسيج الأجتماعي للشعب العراقي.
اليوم ونحن نعيش هذه الأزمة السياسية الحادة بسبب هذا الضخ الأعلامي الموجه ، وقيام قيادات البلد من الخط الأول بأعتماد هذه الوسائل للتعبير عن مواقفهم السياسية من خلال تغريدات أو رسائل الكترونية تتناقلها وسائل التواصل الأجتماعي لتشتعل بذلك المواقع الأخرى في تداول هذه التغريدات ، وتفرد القنوات الفضائية برامج واسعة وعريضة تستضيف فيها محاورين جدليين يزيدون الوضع سوءً.
أن هذه الرسائل والتغريدات رسائل خاطئة وسهام قاتلة توجه الى صدر الجمهور الذي قد لا يكون مهيئاً لفهم خفايا هذه الرسائل ، ويعبر هذا الجمهور بصورة سلبية وأحياناً عدوانية مناصراً أو مناهضاً لهذه التغريدات ، ويبدو ذلك واضحاً من ردود الأفعال والتعليقات على هذه التغريدات .
علينا أن نعود الى المسار الصحيح للأعلام من خلال قيام رجال السياسة بتقديم طروحاتهم من خلال مؤتمرات صحفية مباشرة ، أو من خلال لقاءات هادئة وبث مباشر حتى يتم أيصال الفكرة الى الجمهور الذي يتفاعل مع نبرة الصوت وحركات الجسد والكلمات بصورة مباشرة ، وتترك البرامج التحليلية لأصحاب الشأن والأختصاص الذين لديهم القدرة على تحليل الخبر بصورة أكاديمية وحيادية بعيداً عن العصبية الحزبية المقيتة والجدالات العقيمة وصولاً الى فهم مجتمعي واسع لما يحدث في الساحة السياسية.