ا.د. جهاد كاظم العكيلي ||
ثلاثون عاما عِجاف مَضت على عمر الدولة العراقية وهي تزق من أموال الشعب العراقي لحساب الجارة الكويت كتعويضات منذ عام غزوها من قبل النظام السابق1990، وشملت التعويضات أيضا الأفراد والشركات والحكومات والمنظمات الدولية ..
أن لجنة التعويضات المُشكلة لهذا الغرض ، هذه اللجنة التي ستنتهي من أعمالها يوم ٢٢ من الشهر الحالي والتي اشرف على تشكيلها الحكومة الامريكية انذاك يمثلون خمسة بلدان لغتهم إنجليزية وجنسيات معظمهم أمريكية ومعهم إنجليز، وأستراليون، ونيوزيلنديون وكنديون .. وبحسب ما كشف عنه تحقيق إستقصائي نشره مؤخرا الكاتب الصحفي الفرنسي من أصل يهودي مصري الجنسية الن غريش، فإن الإتصال مع أعضاء اللجنة ممنوع على الآخرين، ولا أحد يعرف السبب!..
غير أن الن غريش، الذي يشغل منصب مدير التحرير بصحيفة لوموند الفرنسية، قال بتحقيقه الإستقصائي هذا، أن لجنة التعويضات كانت نذلة ومتحيزة وتعمدت بهدر أموال الشعب العراقي، وكشف أن اللجنة كانت تتلقى لوحدها من اموال الشعب العراقي 500 مليون دولار سنويا بحجة مصاريف تستقطع من عائدات النفط العراقي المودع أصلا ببنوك امريكية، طبعا ما عدا مرتبات الأعضاء وحاشيتاهم المرتفعة جدا، فيما أعضاؤها يلهون ويمرحون ويستأجرون شاليهات في سويسرا للتزلج على الجليد، حيث مقر اللجنة المُنتخب أعضائها أمريكيا في مدينة جنيف، على حساب معاناة الشعب العراقي، حتى أن الن غريش هذا اللعب واللهو بأنه عمل أشبه بإجازة 5 نجوم مجانية ..
وكشف الن غريش ان اللجنة كانت تسمح للسفير الكويتي ومساعدوه بالحضور دائما في مقر اللجنة لكي يطلعوا على الملفات اولا بأول، وكانوا يمررون شكاوى بالواسطة، ويعترضون في حال عدم رضاهم عن ملف ما، فتستجيب اللجنة لمطالبهم لكن بالمقابل، لم تسمح اللجنة بتاتا للجانب العراقي للاطلاع حتى على طبيعة الملفات المقدمة مفضلة الاكتفاء باحالة تقرير سنوي للعراق قبل ثلاثة أيام من المصادقة، وهو الذي يضم آلاف الصفحات باللغة الإنجليزي، بحيث يستحيل تحليلها خلال هذه الفترة الزمنية القليلة، وحتى عند تقديم أي اعتراض أو طلب عراقي بقصد التصحيح، يتم على الفور رفضها تلقائيا ..
هذا مُلخص مُقتضب جدا، لما كشفه الن غوريش بتحقيقه الإستقصائي لحساب اللوموند الفرنسية كونه أخذ مساحة صفحتين من اللوموند التي تصدر بالقطع الكبير، وبشكل مُقتضب يُمكن تلخيص الكثير من الحيل والتلاعب بأموال الشعب العراقي طيلة ثلاثة عقود من الزمن الضائع، ومنها على سبيل الحصر، أن لجنة التعويضات كانت تبادر على الفور بالموافقة على أي طلب تتقدم به أي شركة اجنبية كانت قد عملت بالكويت لتعويضها بأموال طائلة من دون وجع قلب على العراقيين الذين كانوا يعانون محنة سلب الاموال ومحنة ضنك العيش اللذان راحا ضحيتهما وضحية عمل اللجنة اللااخلاقي واللامهني نحو مليون ونصف المليون ماتوا بسبب الحصار الدولي متعدد الاشكال وغالبيتهم من الاطفال والاطفال الرضع ونحو ضعف هذا العدد عاش الذل والمهانة خارج سور الحصار ..
والأنكى المؤلم أن اللجنة إستقبلت طلبا تقدَّم به بقال كويتي لطلب 600 الف دولار امريكي تعويضا عن هبوط مبيعاته من الخضار خلال ستة أشهر من دخول العراق للكويت، فتَّم تعويضه مرتين، مرة بإسمه الشخصي كمتضرر، والمرة الثانية بإسم إبنه الذي حصل على نفس المبلغ، أي أن الأب والإبن تسلما مليون و200 الف دولار، وهذا ما دفع الن غريش ليتسائل بألم ومرارة: أي صاحب بقالة هذا يربح 200 الف دولار في الشهر الواحد؟ ..
ويفيد تحقيق الن غريش بعرض الكثير من مشاهد التعويضات الأخرى على غرار البقال هذا، إذ يقول أن مبلغ التعويضات الذي بلغ 629,324,488 دولارا شابه الكثير من عمليات الباطل والتزييف المفضوح، وضرب مثلا على ذلك بقوله: إن شركة تنقيب أميركية متواضعة جداً طلبت 24 مليون تعويضا عن تأخر عملها ستة أشهر، تمت الموافقة على منحها 22 مليونا، وأكد الن غريش، بعد التحقق، أن ذلك المبلغ يُعادل ما لا يقل عن 4 سنوات عمل شاق للشركة في الظروف الإعتيادية، وخلُص للقول، وهو يصف تلك التعويضات، إنها كانت ورقة يانصيب رابحة للكثيرين ما عدا العراقيين، وإستمرت تدر الأرباح طوال ثلاثين عاما ..
إن ما كشفه الصحفي الفرنسي الن غريش، يؤكد ضياع مليارات الدولارات المتأتية من عائدات النفط العراقي ذهب معظمها من دون وجه حق لجيوب الأجانب، دولا وأفرادا وشركات، بحجة تعويضات ما أنزل الله بها من سلطان، تم نهشها من الجسد العراقي بلا رحمة طيلة ثلاثة عقود من الزمن الضائع، حتى أن تلك اللجنة سيئة الصيت كان بإمكانها، لو أرادت ذلك، لاقتلعت العراق وشعبه من الجذور إنتقاما ليس إلا ..
لكنها، على ما يبدو، إكتفت وهي التي ستنتهي اعمالها خلال هذا الشهر هدرت أموال العراق وحرمتهم من أي وسيلة من وسائل العيش الرغيد فضلا عما حصل للعراق من تدمير وقتل وتهجير ممنهج وسرقة منظمة للأموال ممنهجة هي الأخرى طيلة سنوات ما بعد عام الإحتلال الأمريكي للعراق .. وما أشبه اليوم بالأمس ..