محمد جعفر الحسن ||
قبل التقارير الأمريكية بشأن "الغزو الروسي" لم يتحدث الروس عن أزمة جديدة مع أوكرانيا، وبقي السياق العام للخطاب الروسي ضمن المشكلة القائمة بين الدولتين والمتعلقة بالاستغلال الأمريكي للموقف السياسي الذي تنتهجه كيف والمعادي لروسيا.
المخاوف الروسية بقيت قائمة، وتتعلق بالنفود الأمريكي خصوصا في أوكرانيا الجارة ونوايا حلف الناتو عموما في إدخال أوكرانيا ضمن ذلك الحلف العسكري، موسكو تعد الأمر تطاولا على مجالها الحيوي من جهة، واستهدافا لثقافتها من جهة ثانية.
الغزو الروسي لمواجهة غزو الناتو!
افترضت واشنطن انّ هناك غزوا روسيا وشيكا لأوكرانيا، وفي هذا مغزى واعتراف. المغزى او الهدف هو توسيع دائرة الخلاف بين أوكرانيا من جهة وروسيا والصين التي تعتمد عليها أوكرانيا اقتصاديا مو جهة ثانية. وهنا تحاول أمريكا محاصرة عسكريا روسيا عبر الدخول في مجالها الحيوي، وتحجيم الدور الاقتصادي الصيني الصاعد من خلال التواجد في مناطق نشاطه قدر المستطاع ومضايقته، وليس هناك أفضل من الجغرافية الاوكرانية التي يجتمع عليها الروس والصينيين. أما الاعتراف، فهو بالقدرة الروسية على "غزو" دولة بحجم أوكرانيا وموقعها وتحالفاتها، بمعنى ان الروس لا يحسبون حسابا للاتحاد الأوربي ولا للولايات المتحدة الأمريكية، فهم يؤسسون لعملياتهم وفقا لمعطيات واقعية تجنب موسكو ضرر الحرب المباشرة. وهذا له معنى دقيق مفاده: الناتو غير قادر على مواجهة روسيا مباشرة، وبالتالي يلقي حجرا في البركة لعله يستطيع معرفة القدرات الروسية.
العودة الثقافية خيارا روسيا!
موسكو ما زالت تمتلك شيئا من الثقافة السوفيتية والعقلية الروسية عقلية يسارية وهادئة بالفطرة، وعلى الرغم من التفوق العسكري الروسي، غير انها لا تستخدم الحلول الساخنة بقدر استخدامها لحلول الثقافة والتاريخ. في العام ٢٠١٤ عبرت القوات الروسية إلى شبه جزيرة القرم ذات الأغلبية الروسية والتي الحقت بإوكرانيا في الزمن السوفيتي (١٩٢٠- ١٩٩٠). وطيلة الفترة التي تلت تفكك الاتحاد السوفيتي غضت موسكو الطرف عن القرم، طالما كانت الحكومات الاوكرانية حليفة لروسيا، وبمجرد صعود حكومة حليفة لواشنطن اقدمت موسكو على استعادت جزيرتها التي تقع ضمن مجالها الحيوي والبحري. موسكو حينها لم تحتل أرض لا تتبع لها؛ إنما اقدمت على استنطاق لغة شعب القرم واستلت وثائق التاريخ لتثبت احقيتها بالأرض.
اليوم، وبعد ذهاب حكومة أوكرانيا بعيدا في معاداة موسكو، يلعب الروس على نفس السلاح، سلاح الثقافة والتاريخ، فشرق أوكرانيا تسكنه شعوب تتحدث الروسية ولديها مشكلة مع الاتجاهات القومية الاوكرانية ولها ارتباطات وثيقة بموسكو.
استطاعت موسكو تفكيك ما تبقى من روابط بين مناطق شرق أوكرانيا ومركز البلاد، وفي الوقت المناسب أعلن عن قيام جمهوريتين هما لوغانسك ودونيستك أغلبية الشعب فيهما من المتحدثين بالروسية والذين يوالون موسكو ثقافيا.
الجراحة الامريكية والعلاج الروسي!
لا يستخدم الروس في الطب زرق الابر او الانتبايتك الا ما ندر، على العكس من الطب الأمريكي الذي يتخذ منهج السرعة والجراحة في العلاج. الروس يستخدمون أساليب طبية بطيئة وفعالة. ويبدو ان هذا ما تستخدمه سياسيا وعسكريا، تفككت روابط كان تصل بين أوكرانيا والجمهوريتين المستحدثتين في العالم، وما خرج من أوكرانيا لن يعود لها. لا سيما ان القوات الروسية بدأت بالانطلاق صوب الدولتين الجديدتين، وهي قوات حفط سلام. اي ان هناك شعوب اختارت تقرير مصيرها واختارت شكل تحالفاتها، وروسيا تدرك جيدا ان الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة لن يقدما على اي عمل عسكري او تصعيدي اكثر من فرض لائحة جديدة من العقوبات المكررة اصلا!
حرب ثالثة..!
اتذكر مقالا كتبته قبل عقد من الزمن تقريبا قلت فيه: نحن نعيش في الحرب العالمية الثالثة، ولكن أدوات ووسائل وطبيعة هذه الحرب تختلف، فبها من الإقتصاد والسياسة والحرب العسكرية غير المباشرة، بيد انها لا تنتهج أساليب الحروب القديمة، فلا احد يضحي بدولته ويسمح لها أن تتحول إلى ساحة معركة،لذلك فالحرب العالمية الثالثة قائمة فعليا وفي صقاع العالم اغلبها ان لم تكن كلها. بقي الحسم، التكنلوجيا، الإقتصاد، الزراعة، وربما السلاح هذه هي الأدوات التي ستحسم الحرب ووفقها سترسم خريطة لعالم جديد كل المعطيات تشير إلى تفوق المعسكر الشرقي فيه على الغربي الذي يعاني من الشيخوخة وفقدان الثقة به من قبل حلفاءه. دول تتأسس وأخرى تتحالف مع الصين اقتصاديا، وثالثة تطلب السلاح او الحماية الروسية، ورابعة تؤسس قوتها الذاتية كإيران وتركيا، هذه كلها مؤشرات على بداية عهد عالمي جديد قد ينطلق قبل اقل من عقد بالضبط!
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha