المقالات

أوكرانيا.. مخاض جديد في عالم جديد!


    محمد صالح صدقيان     نحن أمام مواجهة بين "الكبار" لم يشهد العالم مثيلاً منذ الحرب الحرب العالمية الثانية حتى الآن. فما يجري في أوكرانيا ليس لعبة بسيطة او حرباً ببعد واحد. هو تطور يرتبط بأبعاد ثلاثة مترابطة بشكل وثيق: الوضع الجيوبوليتكي لأوكرانيا، الأمن القومي الروسي؛ وحلف شمال الاطلسي. لنبدأ من عند هذا التاريخ السحري: 2.22.22. تاريخ سيحفظه العالم لأنه سيُعيد تأسيس قواعد “توازن الرعب” بين الكبار؛ ليس بين روسيا والولايات المتحدة وحسب؛ إنما بين أوروبا والولايات المتحدة أيضاً. كما انه سيُحدد “قواعد اللعبة” من جديد بين روسيا وأوروبا وسينعكس على  هيكلية حلف شمال الاطلسي الذي تمكن من الصمود والتربع على  عرش الأمن الدولي منذ إنهيار منافسه “حلف وارسو” مع سقوط الإتحاد السوفياتي عام 1991. عقوبات على  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف؛ إنهيار سعر العملة الروسية من جراء العقوبات؛ إغلاق حسابات وحظر على  هذه المؤسسة او ذاك المصرف؛ غلق حسابات وحظر أخرى وغيرها من الإجراءات التي فرضها الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة اضافة إلى  مصير الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي وحكومته.. هذه كلها تفاصيل لا تُسقط روسيا ولا تُجوّع الروس في مقابل الاهداف الاستراتيجية التي يبتغونها ولكن السؤال الجوهري: ماذا يريد بوتين من بعد أوكرانيا؟ يعتقد فريق من المحللين أن الولايات المتحدة نجحت في توريط روسيا في أوكرانيا وبالتالي اسقطتها في مستنقع لا يجف في ظل عقوبات وحصار وحملات إعلامية وسياسية غربية لن يكون بمقدور روسيا الخروج منها إلا منهكة لا حول لها ولا قوة. لا أميل إلى هذا التحليل لأن روسيا ليست دولة هشة إلى  هذا الحد؛ ولا هي تعيش على  هامش المعادلات الدولية ولا تأتمر بأمر فرد؛ وشئنا أم أبينا ما زالت تتربع على  عرش المنافسة مع الولايات المتحدة ومع الدول الغربية وحلفهم شمال الاطلسي، من دون إغفال ما تحتله الصين من مكانة ولا سيما في المنافسة الإقتصادية مع الولايات المتحدة. بالمقابل، هناك فريق آخر من المحللين يعتقد أن حلف الناتو الذي تتزعمه الولايات المتحدة أراد وضع روسيا تحت طائلة العقوبات الإقتصادية والأمنظية والعسكرية من أجل إعادة صياغة التحالف الصيني الروسي ومن ثم تحييد الجانب الروسي وصولاً إلى تفرغ الولايات المتحدة للمنازلة الكبری مع الصين في المرحلة المقبلة. هذا التصور أيضاً لا يرقى إلى مستوی التحديات التي ولّدتها حرب أوكرانيا وكلفتها الباهظة على  الواقع الدولي، سياسةً وأمناً وإقتصاداً، ولا سيما على صعيد بقاء حلف الناتو متماسكاً بعد الأزمة الأوكرانية. كما أنه من المستبعد أن يذهب المفكرون الاستراتيجيون في أميركا وأوروبا إلى  مثل هذه القراءة الساذجة والسطحية وتداعياتها وأثمانها السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية. ووفق تقرير “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” الذي صدر بعد “مؤتمر ميونيخ للأمن” المنعقد الأسبوع الماضي في ألمانيا “يتوجب على  القادة الأوروبيين الذين إجتمعوا في ميونيخ أن يركزوا على  اختراع غرب جديد يمكنهم فيه أن يحددوا قواعد الاشتباك التي ستخرج عن هذه الأزمة (الأوكرانية)”. يجب التركيز على  ما ذكره التقرير: “غرب جديد” و”قواعد الإشتباك” الجديدة. انه تعبير عن هلع القارة الأوروبية من رؤية نفسها أسيرة ما بين المطرقة الأميركية والسندان الروسي. وللتذكير، فان الدول الاوروبية هي القريبة من منظومة الصورايخ النووية اذا قررت روسيا نصبها في اراضي جمهورية بيلاروسيا وليست الولايات المتحدة. ولم تستطع نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس الهادئة والبشوشة والدبلوماسية العريقة في أخلاقها، كما وزير خارجيتها انطوني بلينكن أن يُبدّدا القلق الاوروبي في مؤتمر ميونيخ. كما لم تستطع عبارة بلينكن “قوتنا في وحدتنا” التي كرّرها مراراً في ميونيخ في أن تبدد هواجس القارة العجوز. أميل إلى  ما قاله المحلل الإستراتيجي العسكري اللبناني العميد الياس فرحات، في مقالة له في موقع 180post بأن “ازمة أوكرانيا المفتوحة على  مصراعيها تحمل في طياتها بذور نظام عالمي قيد التبلور”. لقد تعلم فلاديمير بوتين دورساً كثيرة خلال تجربته على رأس المخابرات السوفيتية (كي جي بي) في زمن الحرب الباردة جعلته يتقن قواعد اللعبة التي تقول “إن أية مهادنة للأمن القومي تجعل أيادي الآخرين تلعب بمناطق يصعب تصورها”، وبذلك هو لم يتأخر ولو لحظة في كبح جماح نفوذ الولايات المتحدة الأميركية في جمهوريات آسيا الوسطی التي تشكل مجالاً حيوياً لروسيا بدءاً بطاجكستان وانتهاء بأوكرانيا مروراً بكازاخستان وجورجيا. لم يناقش بوتين مجال بلاده الحيوي وانما هو الآن يريد الإنتقال من موقع الدفاع إلى محاولة اللعب في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة. لذلك، تصبح أوروبا هي المتضرر الأول، كما يقول تقرير “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” والمستهدف أيضاً هو “حلف شمال الاطلسي” (الناتو)؛ وثمة حاجة إلى  “قواعد اشتباك” تكون فيها العلاقات الأوروبية الأميركية على  المحك لتحقيق أمرين أولهما أميركي ويتمثل في إبعاد روسيا عن أوروبا. وثانيهما روسي بإبعاد أوروبا عن أميركا. وما بين هذه الرغبة وتلك، فإن استمرار الحرب في أوكرانيا يؤذي أوروبا ولا يخدم المصالح الأميركية. إنها مرحلة المخاض لولادة جديدة في عالم جديد.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك