كوثر العزاوي ||
كثير مانسمع ومِن مختلف أصناف الناس عن"ضرورة الثبات على المبدأ في مواجهة الضغوط والصعوبات المختلفة"، وهذا شيء رائع، لان الثبات على المبادئ والقيم هو الشعار الذي ينبغي أن يتحلّى به الإنسان المؤمن في هذه الحياة، سيما مرحلة تفاقم الفتن وأنواع الانحرافات، وقبل ذلك ينبغي أن نعرف: هل يستطيع المؤمن أن يَثبت ويتمسك بمبادئه ومايَتبنى من نهج آل محمد "عليهم السلام "من صفات الزهد ونبذ الذات والإخلاص وهو بطبعه يرتاح لرضى الآخرين عنه؟!، كما أنّ البعض يُطرب للمديح والإطراء والثناء! فطالما هو يعيش في محيط اجتماعي راضٍ عنه، ويُطرِئ عليه، فقد يكون ذلك سببًا لراحته النفسية وحافزًا له على الاسترخاء،والمضي دون الالتفات إلى إلى مايقصم الظهر نتيجة رضاه عن نفسه! وواقع الحال، فأنّ أشدّ مايُخاف على المؤمن هو أن يجعل نظرة الناس إليه وتقييمهم هو معيار الاطمئنان للذات ولسلامة المنهج، في حين أنّ الأوْلى أن يكون المعيار وِفقًا لمدى الالتزام والتمسك بالمبادئ والثبات عليها بالدرجة الأساس، أما رأي الناس مدحًا أو ذمًّا إنما غالبًا مايأتي من منطلق المزاج والارتياح النفسي، إِمّا لمصلحة ما، أو تبعية اجتماعية أو نَسَبية وغير ذلك..ونادرًا مايكون الدافع هو "الحقّ ومحض الإخلاص بعد التأمل"
ولعلّ رضا عوام الناس وحتى الخواص منهم إنما يكون سهل المنال متى ماالتزم الفرد بتوجّهٍ معين يستهويهم بلا كلفة، ولكن السؤال الأهم: هل هذا الاتجاه يتطابق مع المبادئ والقيم ونهج الأولياء والصالحين؟!
فلاينبغي للمؤمن أن يطمئن لنفسه على اساس منهج معيّن لمجرد حظيَ بودّ وقبول الآخرين مهما تعددت فئآتهم وعَلَت مراتبهم ، ومن هنا جاء ذمّ الكثرة في موارد كثيرة في القرآن الكريم لو بحثنا عن كلمة "أكثر الناس" لوجدنا بعدها "لا يعلمون، لا يشكرون، لا يؤمنون"، ولو بحثنا أيضا عن كلمة "أكثرهم" لوجدنا بعدها "فاسقون، يجهلون، معرضون، لا يعقلون، لا يسمعون"!! ومن هذا المنطلق، لابد أن يكون هدف المؤمن بالدرجة الأساس هو "رضا الله تعالى"والسعي للوصول إليه بإخلاص وهذا سيد المبادئ وأسماها الذي ينطلق من التوحيد، والإلتزام والوفاء به خير وماعداه زَبَدٌ جفاء.
نعم: لابأس أن الانسان المؤمن ومن خلال سلوكه الحَسَن مع الآخرين يسعى لجذب رضاهم والتعاطي معهم بحسن القول وطيب النفس وسلامة السلوك لكسب السمعة الحسنة بينهم، لكن ليس على حساب المبادئ والقيم العليا للحدّ الذي يغفل فيه عن أولوية "جعلِ الله سبحانه هو المحور للجذب والكسب" فلا يغفل عن الإخلاص بالنية لمجرد عدم قناعة الآخرين بما يقول ويكتب وينشر وما الى ذلك من المعاملات في الفضاء الإجتماعي حضورًا او افتراضًا فالنيّة سواء، فاذا ألتزم الإنسان مبدَأً قد آمنَ به عن قناعة وعِلم، يصبح حجة عليه فلا يُقبل منه أي تنازل في أيّة حالٍ من الأحوال، وهذا أيضا يدخل في باب الأفكار والدراسة والسياسة والعلاقات الاجتماعية والشخصية وغير ذلك من المتبنَّيات السامية التي يتميز بها عمل الإنسان في حياته.
وقد جاء عن الإمام محمد الباقر "عليه السلام" أنه قال في وصيته لجابر بن يزيد الجعفي:
{ياجابر إن مُدِحتَ فلا تفرح، وإن ذُمِمتَ فلا تجزع، وفكِّر فيما قيل فيك، فإن عرفتَ من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله "عز وجل" أعظم عليك مصيبةً مما خفتَ من سقوطك من أعين الناس، وإن كنتَ على خلافِ ما قيلَ فيك فثوابٌ اكتسبتَهُ من غير أن تتعب بدنك}!!
ومعنى قول الإمام "سلام الله عليه"
{إذا لامَكَ الناس وكان الحق معك فذلك ثواب لك}
وهذه هي سيرة الأولياء والصالحين حينما يسمعون كلامًا سيئًا بغير حق، فإنما يقولون هذا ثوابٌ بالمجان قد حصلنا عليه.
ولعل المفهوم والمبدأ في أصل كلام المعصوم "عليه السلام" يوضح: ضرورة أن يَعرِض الانسان نفسه على كتاب الله، فإن كان سالكًا سبيله فإنه لا يضرّه ما قيل فيه، وإن كان مباينًا للقرآن فما الذي يغرُّه من نفسه!! والواقع أن لاخير في ما لاعاقبة له ولو كانت أجمل واعظم الأعمال!
والخلاصة: أن المبدأ والمعيار الذي يجب أعتماده لدى الإنسان المؤمن هو كتاب الله وقوانين السماء التي هي ذات النهج الذي جاء به الأنبياء والائمة المعصومين "عليهم السلام" وليس كلام الناس وتقييمهم.
{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}التوبة ١٠٥
٤شعبان ١٤٤٣هج
٨-٣-٢٠٢٢م