كوثر العزاوي ||
ونحن على مشارف شهر الله الكريم، وحيث النسائم التي بدأ عطرها يذكي الأرواح، وهي تهب كنفحات وهِبات وفيوضات، ألا يجدر بمن حباهم الله تعالى بالاسلام وشرح صدورهم بالإيمان، أن يكونوا على أتم الاستعداد للدخول ضيوفًا في محضر القدس والملكوت!
فساعات شهر الله هي خَير الساعات لمن عاشها وهو ضَيفُ مكرّم عند البارئ"عز وجل"في كُلِّ لحظات الإقامة والضيافة، فأنّ أستضافة رب العالمين ليس من صنف كبار المضيفين الكرماء من المخلوقين مهما بالغوا وقدَّموا وأكرَموا..
فأنفاسكم فيه تسبيحٌ،ونومكم فيه عبادة،وعملكم فيه مقبولٌ،ودعاؤكم فيه مستجابٌ،إنّ شهرٌ فيه كل هذه المزايا تُعطى للصائم وهو ضيف الله،حريّ به أن يكون على مستوى من الأناقة أبهاها،ومن النظافة أتمّها وأزكاها،فهو مدعو لضيافةربّ الكون وخالقه،والاقامة عنده《٣٠》يوما؟! ترى مانوع الاستعداد والتهيؤ لأجمل واقدس اقامة من حيث العمل ظاهرا وباطنا سيكون!!
وحيث أنّ لكل عمل يقوم به الأنسان مصداقًا ظاهريًا ومصداقا باطني،
فالمصداق الاول يتجسد بالعَمل الخارجي، فمثلا إن من يريد تلاوة القرآن الكريم،عليه أن يقرأه وكأنّه هو المخاطَب،أي عندما يمر بآية
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾؛ فليقف العبد لَحظة ثم يقول:لبيك يا رَب؛ ماذا تُريد مني؟،وإن مر بآيات العذاب؛ فليستجِر بالله عز وجل من عذاب جهنم والزقومِ والضريعِ! وهنا قد جسد القارئ مصداق التفاعل مع كتاب الله"تبارك وتعالى"ظاهرا، أما العمل الباطني فقد وضَّحَته رواية عَن الإمام الصادق"عليهِ السلام" تقول:
{إذا قرأتم آية فيها ذكر الظالمينَ في القرآن:لا تسكُتوا، بل تبرَّؤوا منهم} والبراءة من الظالمين كما نعلم، فلا اقلّ من أن تنبذ أفعالهم وعدم الركون أليهم،فضلا عن مواجهتهم، أمّا خَير الأعمال الباطنية في شهر رمضان المبارك؛ هي أن يُحسّن الإنسان خُلُقه! وحُسن الخُلق مثلا: البشاشة وهي مصداقٌ ظاهري! فبعض الناسِ في شهرِ رمضان المبارك يغضبُ لأقلِ موجب،وحُسن الخُلق، يعني أن لا يُبقي خِصلَةً باطنيةً سيئة إلا ويقضي عليها: وياحبذا بخلوة مع النفس للمصارحة والمحاسبة، يستعرض فيها العبد اخطاءه وعيوبه مع العزم على بذل السعي لاصلاحها وتهذيبها ولتكن نية الاصلاح تلك من القربة لله "تبارك وتعالى"فإن تنقية الباطن من كل سوء هي أفضل أعمال شهر رمضان المُبارك حيث التأهيل والقرب من ديوان الله ومحضر قدسه، هذا على الصعيد الفردي،
أما ماهو الاستعداد على المستوى الإجتماعي؟:
فلعل أبرز الأعمال التي تُقرّب الى الله "عزوجل" هو إدخال السرور على قلوب عيال الله وإعانتهم عبر تعزيز روح التعاون والخروج من الأنانية في هذا الشهر وهو أمرٌ أساسي، لذا فالجميع مدعوّ ليبثوا روح التعاون والتكافل،وأن يتواصلوا ويتواصَوا فيما بينهم ليجعلوا نصيبًا من مؤونتهم للفقراء والمعدَمين، ويقدّموا شيئا من العون للمجاهدين المقاومين في كل محاور التمهيد والدفاع عن الحق والإسلام في كل مكان من العالم، دون حصر التعبئة والتكافل في بلد معين، فمن تهيّأ لشهر الله العظيم التهيؤ المناسب، واستقبله الاستقبال الملائم، كانت استفادته من معاني الضيافة أكبر، ومكاسبه منها أوفر، ومن دخل عليه الشهر الكريم وهو في غيابٍ وغفلة عن استثمارِ عظيمِ الفرصة، أو كسلٍ عن الاستفادة منها فلن يضيف إلى رصيده غير القليل أو الحسرة على تضييع أثمن الفرص
وغنيمة الغنائم، لكونه أفضل الشهور، وأعمّها بركة، وأوفرها خيرا، فلنحرص على التزوّد من المائدة الإلهية التي دعا الله تعالى إليها عباده واستضافهم ليكرمهم أيما إكرام، فهنيئًا لمن كانَ شهرهُ خَيرَ شهر رمضان يمَرُّ عليه منذُ أن خَلقَه اللهُ تعالى! وطوبى لمن قبله الله ضيفًا عزيزا، وخير مَن يصحب الشهر الكريم مصاحبة الحبيب لحبيبه الذي انتظره بلهفةِ الشوق، وفارقه بمرارةِ الفقد، فمن عرف قيمة العمر لم يضيعها في سفاسف الشهوات.
٢٤شعبان١٤٤٣هج
٢٨-٣-٢٠٢٢م