سجاد الدخيني ||
عندما كانت تتساقط المحافظات العراقية بيد التنظيمات الإرهابية، وكنا يومياً نسمع بسقوط محافظة أُخرى، ووصلت تلك التنظيمات الإرهابية لمدينة الدجيل، تلك المدينة ذات الغالبية الشيعية والتي بشرنا الإمام الصادق في واحدة من الروايات المنسوبة له بأنّ منها سيخرج أحد أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً، تلك المدينة التي أنجبت لآل محمد كنوزاً عظيمة وأي كنوز هي؟ كنوز لا هي من ذهب ولا هي فضة، إنهم رجال آمنوا بسواد على بياض وقلوبهم أشدُّ من زبر الحديد، خصوصاً عندما يكون العمل لأجل آل محمد (عليهم السلام) وأبرز شخصيات هذه المدينة هو الشيخ المفيد، الذي كان يصفه الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف: "بالأخ السديد الوليّ الرشيد".
هذه المدينة المجاهدة المجاورة لمرقد السيد الجليل محمد بن الإمام الهادي عليهما السلام المعروف بسبع الدجيل، كان لها دورها الجهادي الكبير والمبكّر في مرحلة مجاهدة النظام الصدامي، بالرغم من أنها دفعت أثماناً كبيرة للبطش الصدامي، ولكنها لم تستسلم وبقيت حريصة على وفائها المرجعي وصبرها العقائدي، وكان لها الفضل الكبير عبر ابنها البار الاستشهادي جاسم الدجيلي المعروف بأبي بلال في تسفيه أحلام المجرم صدام بتزعم مؤتمر حركة عدم الانحياز عام 1982 وإفشاله، فيما يسجّل لأبنائها الأبرار أنّهم نفذوا أوّل عملية استشهادية لاغتيال الأب الروحي لهذه التنظيمات الإرهابية وأعني بذلك المجرم صدام حسين، وقد ثأر الله منه فكان إعدامهُ تمّ على إثر شهادة أبناء هذه المدينة بشأن الجرائم التي ارتكبها بحقهم عقب حادثة الاغتيال.
ولذلك كانت هذه التنظيمات الإرهابية تحمل حقداً دفيناً على أبناء هذه المدينة وبالفعل فقد وصل الإرهابيون لمحيط المدينة، فسقطت معظم النواحي والقرى المحيطة بها، ولم يبق سوى مركز المدينة، وبعض القرى التي بذلت الغالي والنفيس لأجل الدفاع عن أرضها وشرفها، وكانت المدينة محاصرة حصاراً شبه التام، ولم يكن الأهالي جاهزين بما يكفي لصدِ هكذا زحف قادم نحوهم من كافة الجهات، ولم يكن في حينها الحشد الشعبي موجوداً وكان الجيش منكسراً، فهبّ أبناء عشائر الدجيل نحو خطوط الصدّ الأوّل للدفاع عن مدينتهم وشرفهم.
ولو أنّ هذا التوازن ــ أيّ توازن القوى ــ عُرض على أيّ محلل عسكري، فإنّ سقوط هذه المدينة سيكون أمراً حتمياً حسب تحليلهِ، فكيف يعقل أن عدداً من الأفراد يمكنهم الصمود بوجه من لم يستطع الجيش العراقي الصمود بوجههِ؟ خصوصاً وأنّهم غير مجهّزين عسكرياً ولوجستياً، وليس لهم قيادة تجمعهم، فمن المستحيل أن تجد ولو محللاً عسكرياً واحداً يقول بأنّ هذه المدينة ستصمد.
ولكننا كمؤمنين ونؤمن بالثقلين، كنّا نعتقد بأنّنا نمتلك القدرة على تحقيق النصر الإلهي بعد التوكّل على الله، إذ أنّ الله تعالى يقول في كتابه الكريم {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}
وكذلك ورد في الثقل الأصغر عن إمام العصر والزمان (عجّل الله فرجه) أنّه قال: "وإنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء" فهل يعقل يا ترى بأنّ الإمام المهدي سيتركُ شيعته في هذه المدينة المجاهدة؟ كلا وألف كلا، فإنّ الذي يمرض لمرض شيعتهِ ويحزن لحزنهم؛ لا يتركهم لوحدهم في هكذا محن، لا! بل كان في عقيدتنا أنّه عجل الله فرجه الشريف كان يرعانا ونحن في سواتر العزة والشرف، نعم فأهل البيت لم ولن يتركوا من تمسّك بهم، فكيف بمن بذل نفسه وماله من أجلهم؟
لقد صمدت الدجيل، وقاتلت، وصبرت، وانتصرت على المعتدين ببركة فتوى المرجع الأعلى السيد علي السيستاني دام الله ظله، والتلبية الواعية والسريعة التي أبداها المؤمنون والغيارى على الأرض والعرض والمقدسات.
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha