كوثر العزاوي ||
هناك وفي زمن سحيق وقد انعدمت فيه مضامين الفرح والانشراح، ثمة ذكريات تَحكي مضامين التضاد والذي محال أن يجتمع المتضادان عند أهل العلم والمنطق،إلّا في عقد الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين حاضنة الزمن اللاجميل، حينما كان يقبل شهر نيسان شهر تفتّح الازهار واخضرار الاشجار واعتدال الهواء في الليل والنهار، إذ في العادة تستريح الأرواح في أحضان الطبيعة التي تنشدُّ إليها فطرة الإنسان وهي تستشعر الجمال وتنشدُ الكمال، إلا تلك الحقبة وقد كانت تعني للاغلبية إقبال الرياح المُغبرّة التي تلقي بظلالها على نفوس أرهقها الفقد وغربة الزمان حبيباتٍ من رمال صحارى السماوة والانبار وذي قار والنجف وغيرها من بقاع العراق التي لاتكاد تخلو من رائحة الأجساد التي قضت على أيدي جلادي البعث السفاح في دهاليزهم المظلمة إلى حيث المقابر الجماعية الملونة بصنوف البشر!! ورغم ماكان وماجرى ووسط كل ذلك الركام، تجد دولة العراق المتسلطة على الرقاب آنذاك تستنفر ماتملك من طاقات ومااوتيت من امكانات لتخليد ذكرى السابع من نيسان المشؤوم، ميلاد الحزب العفلقي الدموي المتجبّر وحتى قُبيل ختام الشهر يوم الثامن والعشرين منه، ذكرى ميلاد الطاغية الملعون المنسوب زورًا لابن العوجة الذي لاأصل ولامولد طاهر له، وكان ذلك الشهر -نيسان- في تلك الحقبة يعني لغالبية الشعب العراقي، إنما هو في الواقع استعدادًا لضيق الأفق وتضييق العيش حينما تُفرَض عليه المشاركة القسرية في احتفالات تعجّ بالمجون والتفاهات والفساد والتصنّع في تلك المناسبات السيئة الصيت، كما يُتوقع حصول أبشع الجرائم من ازلام النظام عند رصدهم لمن لايبدو في وجهه علامات الرضا والفرح بهذا الشهر الذي ماإن يُطل حتى تُطلّ معه إمارات الحزن واللوعة على غالبية الفئة المستضعفة جراء الانتهاكات التي تعرضت له وهي أعظم وابشع من ان تصفها سطور مهما كتبت وتكتب الأقلام! إذ شملت أعمال قتل جماعي وتعذيب واغتيال وتهجير وإبادة جماعية لم تغادر فئة دون أخرى ولاعمر دون آخر ولاجنس بشر، وكل ذلك بدون محاكمات رسمية فضلا عن التعتيم الاعلامي في ظل سياسة الاخطبوط البعثي الكاسر والتي امتدت اذرعه حتى عام ٢٠٠٣ ومازالت بقايا مخالبه إلى اليوم تنهش في جسد أمة تشبّعت بالقمع حيث الجذور الفاسدة متغلغلة في مفاصل أرض العراق الطاهرة تعبث في خيراته ومقدساته بدم بارد، وفي خضم هذه الآلام الضاغطة، نجد ان يد الغيب لاتغفل حكمتها التي لاتسبقها حكمة، وقد كمِنت لشهر نيسان لتُرديهِ في قعر حضيض الدنيا وأسفل سقر جهنم، وقد جعلت من رياحه الصفراء ومنذ مايقارب العقدين، رياح عبقت بدم الشهادة لذلك الفكر العملاق صاحب التقوى والنقاء فيلسوف نحرير، هو
الآية العظمى-الشهيد محمد باقر الصدر- واخته السيدة القائدة " رضوان الله عليهما" الذي قتلتهما رأس حربة الطاغية الناقعة في سمّ الحقد والبغض لخط آل محمد "عليهم السلام" الحسيني المقاوم، وفي مثل هذا الشهر الذي طالما رقصوا به على جراحات من فُجعوا بإعدام مرجعهم وقائدهم وثلة طاهرة من خيرة أبناء وبنات العراق الجريح! الا ان ربك بالمرصاد، وأبت حكمتة إلا أن يغلب الحق والفكر والأصل والاستقامة بتثبيت الذكرى باسم الأصالة والاستقامة والعطاء، لتهبّ نسائم نيسان في مثل هذه الحقبة لتعطر أجواءأرض المقدسات والذكرى على الأبواب وقد تزامنت مع نفحات شهر الله الفضيل نديّة عطرة نقية من شوائب الريح الصفراء بعد عقدين من الزمن لنتنسّم اليوم عبير نيسان الذي يحمل عبقَ الشهيد إلى ربوع القلوب التوّاقة إلى متابعة المسيرة على طريق الاستشهاد حتى تشرق شمس حقيقة الوجود ومركز النور لتكتب أسمى آيات الانتصار على جبين الإنسانية بعد زمن الانتظار وقد مُلئت الأرض عدلًا وقسطا بعد أن ملئت ظلما وجورا.
٢رمضان١٤٤٣هج
٤ نيسان ٢٠٢٢م