إيمان عبد الرحمن الدشتي ||
تمتاز القيادة العسكرية بالحزم والعزم والقوة والإرادة والإقدام والشجاعة والبسالة، وكل هذه الصفات تندرج تحت إطار الشدة والغلظة -إن صح التعبير- إلا أن ثمة صفات تنبت كزهور في واحة القيادة فتنثر أريجها في الآفاق.
مرت البشرية على مر العصور والأزمان والى يومنا هذا بتحديات كبيرة من قبل الظالمين والمستبدين، وإذا ما سلطنا الضوء على واقعنا المعاصر فسنرى أن فراعنة عصرنا وشذاذ الآفاق قد كشروا عن انيابهم وأبرزوا مخالبهم لتمزيق وسحق المستضعفين ممن يخالفونهم بالفكر والمعتقد، ولضرب المقدسات والقيم عند الشعوب الحرة، فانبرى لنجدة هؤلاء المستضعفين وحماية المقدسات ثلة مؤمنة تتلمذت على نهج علي أمير المؤمنين وأولاد علي عليه وعليهم السلام، وعلى خطى حواريه كالمقداد وأبي ذر وعمار وسلمان.
كان على رأس هذه الثلة المجاهدة القائدان العظيمان الشهيدان الجنرال قاسم سليماني ورفيق دربه البطل المجاهد ابو مهدي المهندس (رضوان الله تعالى عليهما) فلم تعيقهما الحدود ولم تقف بوجهيهما العقبات، فهما لا يعرفان للخوف طريقا، اشداء على الأعداء لم تضعف شكيمتاهما ولم تجبن نفساهما الأبية حتى لو غارت اياديهما في فم السبع في ليلة دهماء.
كانا يخوضان غمار الحروب بصدرين درعاهما الإيمان ورأسين حاسرين يظللهما التوكل على الله، إذا استصرخهما اخوهم في الدين اعاناه ونصراه، واذا استنجد نظيرهما في الإنسانية لم يتوانا عن اغاثته واستشعاره بعظم دينهما وعقيدتهما الحقة.
امتاز الشهيدان القائدان بميزات قل نظيرها في الآخرين، فلم يشعر من هو دونهما في الرتبة العسكرية بأنهما قائدان عليه، بل كانت الأُلفة والتواضع سمتهما البارزة مع باقي المراتب، وثغراهما باسمان بوجوه من عبس الزمان بوجوههم وقلباهما حضنا للايتام والملوعين على أيدي شياطين الإنس، وما دونتها سطور جنودهما وسجلتها كاميراتهم إلا توثيقا لتلك المزايا الخالدة أينما حلّا، حتى بتنا نغبط كل من التقى بهما ونتحسر لأننا لم نلتقيهما ولم نتزود منهما أكثر مما كان.
كانت سجاياهم تحكي ما أراده الله للإنسان من الإلتزام الديني وتطبيقه على أرض الواقع، فقد كانا مدرسة للإيمان والشرف والشهامة، وللانسانية وما تحمله هذه الكلمة من معان، وانموذجا عمليا للمنتظر الحقيقي لإمام الزمان عجل الله فرجه، وهذا ما أكده المهندس يوما حين سُئل: (مع من تشعر بالسكينة؟) فقال: (مع الحاج قاسم، إنه مرتبط بالامام الحجة، وعندما ارتبط معه يصلني نور)
بعد كل هذا العطاء شاء الله تعالى لسليماني والمهندس (رضوان الله تعالى عليهما) ان يرحلا عن هذه الدنيا مشكورا السعي، رفيقان الى الجنة كما كانا في مسيرتهما الجهادية الخالدة، ومثلما شاء لأوليائه الأطهار عليهم السلام الشهادة على أيدي ارذل خلقه، فكان رحيلهما كالصعقة التي أحيت قلوبا أوشكت رياح اليأس أن تعصف بها رغم عظم المصاب وفداحة الخطب.
رغم وجود الشامتين والفرحين برحيلهما ممن اعماهم الجهل إلا أن هناك اضعافا مضاعفة من الغيارى الذين ازدادت بصائرهم نصوعا، واصبحوا اشداء على الأعداء، رحماء بينهم كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا لإكمال مسير قادتهم.
الأثر الطيب للإنسان هو من يبقى ليخلده في دار الدنيا حين يرحل، فسليماني والمهندس إن غابا عنا جسدا وروحا فاثرهما باق فينا لا يفارقنا، نستمد منه العزم والإخلاص والإنسانية لمواصلة الطريق، فطوبى لهما ولرفاقهما ولكل شهيد أحيا الأمة.
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha