محمد مكي آل عيسى ||
والمعوِّقين هنا بكسر الواو وتشديدها . . نحن نعرف المعوَّقين بالفتح وهم أصحاب الابتلاءات بسبب مرض أو حادث أو نحوهما لكن الحديث ليس عن أصحاب هذا الابتلاء الذي غالباً ما لا يكون اختيارياً.
فالحديث هو عن المعوِّقين ومفردها معوِّق وهو ليس الذي يصيبه العوق وإنما هو الذي يعوِّق غيره بمعنى يعيق مسيرته ويضع أمامه العراقيل وبالمعنى الدارج عندنا المعوِّق هو ذلك الّذي يضع العصا في العجلة أو الذي يكون حجر عثرة قبالة الآخرين فيعرقل خطواتهم ويصدّهم عن مسيرتهم .
وما أكثرهم اليوم !
وردت هذه اللفظة مرة واحدة في القرآن الكريم لتبيّن للمسلمين أن المعوِّقين هم منكم وليسوا بخارجين عنكم . . نعم إنهم المنافقون المحسوبون على أمّة المسلمين وبالوقت نفسه يثبطون المسلمين عن القيام بالتكليف الملقى على عاتقهم لا سيما الجهاد فمورد الآية يخص الجهاد.
لكن ذلك لا يمنع من المورد الخاص لعكسه على المورد العام ليشمل المعوِّقين الذين يثبطون المسلمين عن أداء رسالتهم بشكل عام وفي كل مجالات الحياة وأثرهم يتعدّى مورد الجهاد وإن كان في الجهاد أوضح.
ونحن اليوم نعاني من المعوِّقين أين ما ندير وجوهنا ، فما أن تقدّم فلان في مشروع إلهي يعمل فيه الخير إلّا وامتدّت إليه سهام الناقدين نقداً سلبياً مثبطاً ومهدماً للمشروع وما إن جاء فلان بفكرة حتى سلَّ المعوِّقون أقلامهم كالسيوف للنيل منها ودحضها.
وإذا كان السبب الأساسي الدافع للمعوِّقين في موضوع الجهاد هو كونهم أشحّة بأنفسهم فالسبب الأساسي الدافع للمعوِّقين للمسلمين ـ بل لعامة الناس ـ في سائر موارد العمل وأداء الرسالة والتكليف هو الحسد والغيرة وعدم الرغبة في تقدّم الغير من العاملين.
إن الانسان المعرقل المثبّط المعوّق غالباً لا يكون عاملاً نشطاً وإنما يكون كسولاً لا يبذل الجهد في العمل وبنفس الوقت يريد أن يظهر بهيئة العامل ولا يتحقق له ذلك لكسله فيعزّ عليه أن يظهر ذلك لغيره.
في مؤسساتنا على اختلافها وبالخصوص الحكومي منها نرى الإحباط يلفّ فئة كبيرة من المبدعين المبتكرين الذين ما إن جاء أحدهم بفكرة أو بمشروع عمل جديد حتى انبرى له أكثر من متصدٍ لقراءة هذا العمل بعين البغض وائداً المشروع قبل ولادته مجهزاً عليه قبل أن يرى النور.
نحن لا ننكر ضرورة أن تعرض كل فكرّة للنقد لكن أي نقدٍ؟!
النقد الذي يكون فيه الناقد بروحيّة يرى أن الفكرة فكرته هو والمشروع مشروعه هو ويريد أن ينهض به بشتى الوسائل والسبل، لا أن يرى أن المشروع يعود لمنافس أو عدوٍ له ومهمته إيقافه بشتى السبل.
إن صاحب النفسيّة الكبيرة العالية يرى أن البناء واحد وكل من يسعى للبناء فالفائدة تعود للجميع يرى كل مشروع مشروعه وكل فكرة هي فكرته وأن كل تطور وتجديد وعمل هو في مصلحة البناء العام ككل.
نحن بحاجة إلى نفوس صافية إيجابية بنّاءة مشجّعة لكل عمل ، وإن كانت نسبة كبيرة من الفائدة والثناء تعود على صاحب العمل بصورة شخصية . . بحاجة إلى النفس الّتي تحب من هو أفضل منها بل وتشجعه وتكون سبباً في رفعته لا كما يقول المثل العين لا تحب الأرجح كما أننا بحاجة لتشخيص المعوِّقين الذين بفعلهم يعوِّقون مجتمعاً كاملاً وهم لا يشعرون.