(..... وليعفُوا وليصفحُوا ألا تُحبَّون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) سورة النور الاية 22
الإسلام هو دين تتناسب شرائعه مع فكرة تأسيس مجتمع يستلهم من تلك الشرائع منهجه الذي يعتمده ابناء ذلك المجتمع في تعاملاتهم ، تلك التعاملات التي ممكن ان تُفضي الى نزاعات يُرجع فيها الحكم الى حدود الحق المعلومة ويُفك النزاع وفق العدل وهذا كفيل بضمان الافراد لحقوقهم وآمانهم في مجتمعاتهم .
ولا شك إن حفظ الحقوق ومنع التجاوز صمام امان للمجتمع ، ولكنه نمطي إن صح التعبير متجلد خالي من روح الالتقاء والسمو ولا يدفع بالإنسان نحو تكامل روحي كونه تعامل مادي في حدود فعل ورد فعل معلوم ، لذا فإن الله عز وجل قدم مفهوم عالي القيمة وهو العفو لايتقاطع مع مفهوم العدل يسير معه بخط متوازي ليضيف اليه بُعد انساني .
العفو هو من مكارم الاخلاق ، يُسقط فيها العافي حقه عن المعفي عنه . فإن لم يرد لي ديني عفوت وإن استغابني عفوت ، واسقطت حقي ماديا ً أو معنويا ً من عنقه وبهذا تُكتب للمعفي عنه فرصة اخرى لاستدراك ما بدر منه من اساءة او ذنب على ان يكون أهلا لتلك الفرصة ،.
إن ثمرة العفو تتجاوز منفعة المعفو عنه لتشمل العافي ايضا ً ولهذا السبب صار لهذا المفهوم قيمته العالية فإن كانت منفعة المعفي عنه واحدة تنحصر (بفرصة ثانية ) فإن للعافي منافع وردت في احاديث الرسول ص اولها هدم الضغائن وما يترتب عليها من اثار ( تعافوا تسقط الضغائن بينكم ) وثانيها العزة في الدنيا والاخرة ( من عفا عن مظلمة ابدله الله عزاً في الدنيا والاخرة ) كما ان العفو يمد العُمر ( من كثُر عفوه مدَّ في عمره ) وبركات اخر تلتف بهذا المفهوم لايسع المجال لذكرها .
لقد حث الله الناس بالارتقاء في مكارم الاخلاق فجعل العفو كخطوة أولى لم يكتفي بها لنيل التكامل بل تبعها بالصفح فالعفو يُلزم ترك العقوبة ولكنه لايمسح اثرها من القلب كُليا ً فقد يعفو الشخص ولايصفح ويظل في قلبه لوم على الفاعل وان لم يعاقبه ! بينما الصفح يُلزم ترك اللوم وهو درجة اعلى من العفو .
وعلى الرغم ان الصفح مرتبة اعلى من العفو غير ان الحث على العفو كان الاكثر ظهوراً في الايات الكريمة وفي الاحاديث وهذا ان دل على شي يدلُ بانه خطوة غير سهلة وبحاجة لاستعداد نفسي وبتخطيها يكون الإرتقاء الى ما بعدها أيسر .
ولايقف الامر عند الصفح بل يتسع في ظل مفهوم المغفرة والتي لا تترك العقاب فحسب ( العفو) وتنزع اللوم من القلب ( الصفح ) بل تثيب وتستر على ذلك الذنب !! وهذه مرحلة نادراً ما يصل اليها بالبشر لذا فهي للرحمن اخص فنحن نقول نستغفر الله لكننا لانقول نستغفر فلاناً .
مشكلتنا في هذا العصر تتمثل في جهلنا بالمفاهيم ومعانيها وحدودها التطبيقية وبهذا يشب تحليلنا العقلي بشوائب كثيرة وقد تخُطىء احكامنا نتيجة لذلك هذا من جانب ومن جانب اخر فنحن نستقل بالمفاهيم الانسانية في العصر الحديث وقد تُحسب مفاهيم ذات ابعاد سلبية ، فالحث على الانتقام هو السائد وهو أبعد من الاكتفاء بإخذ الحق .
ويبقى قول و فعل و اقرار المعصوم دليلا ً على أهمية المفهوم من عدمه فعن الامام الصادق ع ( إنا اهل بيت مروئتنا العفو عمّن ظلمنا )
اللهم اعفو عنا واغفر لنا 18 شهر رمضان 1443هــ
https://telegram.me/buratha