(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ) سورة الاحزاب الاية 58
كف الأذى من الفضائل الانسانية عالية القيمة وخُلق راقي يمكن أن يتحلى به الفرد المسلم تجاه الاخرين ، وهو سرِّ من أسرار السلام الاجتماعي كونه يُغلق أبواباً للحقد والإنتقام ممكن ان تُفتح في حال صدور الاذى.
لقد كرّم الله الإنسان وحباه بنعم كثيرة وتوّج هذا التكريم بأن وضع له شريعة تنظم حياته مع الاخرين وتحدد له حقوقاً وواجبات كما ان الشريعة قد تفضلت عليه بأن جعلت لوجوده الإنساني حرمة عامة لايجوز تخطيها (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) وميزّ الإنسان المؤمن بحُرمة خاصة تتناسب ومساحة إيمانه فعن الرسول الاكرم ص مخاطبا ً الكعبة (مرحباً بالبيت, ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله, والله للمؤمن أعظم حرمة منك).
ولم يكتف الشرع في بيان حدود تلك الحُرمة فحسب بل بيّن جزاء من يتجاوز حدها فلقد بينت الاية التي استهلت الحديث بأنهم يكسبون الاثم ويحتملون البهتان كما إن الرسول الاكرم قد نسب كل اذى يصدر تجاه مؤمن اليه ص ( من آذى مؤمناً فقد آذاني ) فكيف ومع هذا الجزاء يجرأ الانسان على ارتكاب الاذى في حق الاخرين ؟
إن جذور هذا الفعل ترجع الى اهمالنا لمفهوم العبادة الاجتماعية وانحسار تركيزنا على العبادات الفردية رغم انها لاتخلو من بُعد اجتماعي ايضا ً ، نحن لا نلتفت بجدية الى أن طبيعة التعامل مع الاخرين هومن اقصر الطرق لنيل رضا الله عز وجل من خلال قضاء حوائجهم وإدخال السرور الى قلوبهم وبالحد الادنى كف الاذى عنهم .
إن الشيطان جعل ايقاع العداوة بين الناس في صدارة اهدافه ( إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء) اي انه استهدف تخريب العبادة الاجتماعية قبل الفردية لما للتماسك والوحدة والالفة والمحبة بين الافراد من أهمية في حفظ الاسلام .
لقد نهى الله ورسوله عن اذى المؤمن من جانب كما انه حفز على فضيلة كف الاذى من جانب اخر ، وجعل لها ثواباً وثمارات في الدنيا والاخرة ، فكف الاذى صدقة (قُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، أرَأيتَ إن ضَعُفتُ عَن بَعضِ العَمَلِ؟! قالَ : تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النّاسِ ؛ فَإِنَّها صَدَقَةٌ مِنكَ عَلَى نَفسِكَ ) كما انها لها دورا ً في جعل الانسان محبوب وعزيز بين الناس وتخلصه من تبعات حقوقهم المتعلقة في رقبته إن مسهم بأذى والاهم انها اقتداء بخُلق الرسول الاكرم واهل بيته الميامين فإن التمسك بهذه الفضلية لون من كمال العقل كما اشار الامام السجاد ع .
في حياتنا العصرية نبتعد شيئا ً فشيئا ً عن هكذا فضائل ، وتمتلىء الساحة بأطاريح اجتماعية غريبة تهدف الى انزواء الانسان واكتفاءه بذاته وبالكاد باسرته في افضل الاحوال ، وتشجع الفرد في بعض الاحيان على الاذى اللفظي ( التنمر ) كوسيلة للدفاع عن نفسه !! بعد ان يتلقى كما ً من الاذى يضعف روحيته .
مع قليل من التأمل يتبين ان هذه الفضيلة نبع للخير نسأل الله ان نرتوي منه
22- شهر رمضان – 1443هــ
https://telegram.me/buratha