المقالات

"ثلاثة شهداء" ومأساة لاتحدث الا في العراق!


طاهر باقر

اقترحوا عليه ان يسافر الى الكويت لان رجال الامن يتعقبون خياله صباحا مساءا، وان ظفروا به هذه المرة لن يفلت حيا من قبضة البعث، فأجابهم مستنكرا أهرب من العراق وانجو بنفسي؟ ولكن من لوالدي واسرتي وعددها الكبير؟ فوالدي هو شيخ كبير وبحاجة الى من يعينه على تمضية امور الاسرة وليس من الانصاف ان اتركه لسواد الايام قال "مقداد الاشتري" هذه الكلمات ولايدري ماينتظره من الموت الاحمر!.

كان جلاوزة النظام قد اعتقلته قبل هذا الوقت بجرم دعمه لاطلاق سراح الشهيد السيد حسن الشيرازي، بعد ان وقع اضافة الى عدد من مؤمني مدينة كربلاء المقدسة على عريضة تطالب باطلاق سراح السيد حسن الشيرازي، لكنهم وعوضا من ان يستجيبوا لمطلبه اعتقلوه لمدة سنتين واكثر قضاها بعذابات سجن الفضيلية، حينما كانت والدته الحنونة تتواصل معه وتوصل اليه بعض اللقيمات لتخفف عليه شيئا من اوجاع السجن.

ولما خرج من سجن الفضيلية قالوا له اترك العراق وارحل الى الكويت لتسلم على نفسك مثلما فعل رفاقك الذين اعتقلوا لنفس السبب، قال لن اترك عائلتي وارضي، ورغم العيون التي كانت تراقب حركاته وسكناته، كان مقداد الاشتري، يواصل الحياة والعمل مساعدا لابيه في عمله اليومي مع كثير من الخوف على مصيره ومصير اسرته حتى وقع مالم يكن في الحسبان.

شن نظام صدام حسين حملة شعواء على معارضيه وشملت هذه الحملة اسرة "مقداد الاشتري" لم يجد عذرا للتخلص منها سوى عن طريق وصمها بالتبعية الايرانية، وقام النظام بتسفير اسرة "مقداد الاشتري" وظنت الاسرة انه قد يكون باب فرج عليها من البطش الذي تتعرض اليه وعمليات المداهمة والمراقبة التي كان منزل العائلة يتعرض اليه بين الحين والآخر لكنهم لم يعرفوا ما خبأ لهم نظام صدام من مصير اسود.

اثناء رحلة التسفير العجيبة عبر طريق الموت الذي راته الاسرة بام عينيها مابين العراق وايران وعبر الجبال والوديان وتحت وابل من قصف الطائرات والمدافع ، في طريق وعر اهلك الكثير من النساء والعجائز الذين عجزت اجسادهم عن مداومة المسير فانتزعوا ارواحهم من العذاب.

السلطات وقبل ان تقوم بتسفير اسرة "مقداد الاشتري" قامت باعتقاله اضافة الى شقيقيه ميثم وعلي ، وكانا شابين صغيرين لم يعرفا بعد طعم الحياة، بل هما لم يتذوقا غير مرارتها، وخاصة علي الذي كان عمره وقت اعتقاله اربعة عشر عاما لكنه تعود بان يبالغ في تكبير عمره قال لهم انه خمسة عشر عاما، فكانت شقيقته تتوسل الى الجلاوزة بان يرحموه ويطلقوا سراحه فهو لايبلغ اكثر من اربعة عشر عاما ، ولو تحدثت الى جدار لكان قد سمعها.

احتجزت السلطات البعثية اسرة "مقداد الاشتري" عدة ايام في احدى سجون النظام في العاصمة بغداد، ولاول مرة تواجه الاسرة الكريمة اوضاعا صعبة لم تشهدها من قبل فعدد اكثر من خمسين امراة وطفلة يتواجدون في غرفة صغيرة يجب ان يقضوا كل حاجاتهم فيها من دون ان يفترقوا عن اي سجناء سياسيين، وفي مثل هذه الظروف القاتمة السواد، كان على المحتجزين ان يربطوا السنتهم ويمنعوا غضبهم، ان يتكلموا بشيئ تجاه النظام لانه بث العيون بينهم ويتفحصون مايقولون وماينتقدون به النظام، فكانت ايام السجن هي من احلك ايام العائلة طوال تاريخ حياتها.

الموت والعذاب هي الكلمات القليلة التي يمكن وصفها بخصوص سفرة الموت التي مرت بها اسرة "مقداد الاشتري" خلال رحلتها الى ايران، وفي الليلة الاولى امضت الاسرة والاطفال وباتوا ليلتهم تلك في مغسلة الاموات، رعب وخوف وموت يهجم على عائلة الاشتري من كل مكان، والاطفال عيونهم في رؤوسهم خوفا من ان يظهر اليهم ميتا بحسب تصوراتهم الصغيرة ومخاوفهم الكبيرة، وفجاة اضاءت السماء نيرانها، وبدأت قاذفات القنابل تلقي بصواريخها واشتغلت مضادات الطائرات وانقلبت الدنيا الى جهنم على رؤوس هؤلاء الصغار واغلبهن من الفتيات هن شقيقات "مقداد الاشتري".

الاشد وقعا وايلاما هو المجهول الذي ينتظر هذه العائلة الكريمة، والفتيات التي ينتابهن الرعب عند دخول احد الجلاوزة عليهم وهن لايعرفن ماذا يبيتون من الوان الغدر والجريمة التي تعودوا على اقترافها واصبحت جزءا من شرفهم المعدوم.

دخلوا الى ايران مستبشرين بيوم جديد وولادة جديدة واحلام جديدة في بلد لايلاحقهم فيه الطغاة، لكنهم الغرباء كيف سيعيشون وهم لايعرفون اللغة ولايحسنون صنعة وشباب العائلة الذين اودعهم صدام السجن ويقضم شيئا فشيئا من اعمارهم البهية.

وحيرة الوالد الكبيرة وكيف سيتمكن وهو الذي لايحسن شيئا غير صنعة الندافة كيف سيتمكن من اطعام بناته السبعة وابنه الصغير الوحيد (احمد) الذين سمح له الجلاوزة باخذه معهم لصغر سنه.

لقد قضوا تلك السنين بمرارة كبيرة، ولكن لم يكن هذا هو وجعهم الوحيد بل كان اكبر همهم هو مصير شبانهم الثلاثة الذين تركوهم في سجون الطاغية لايعرفون لهم خبرا او ذكرا.

انهم فتيان لم يرتكبوا اثما او جناية وحتى لم يقترفوا شيئا معارضا للسلطة، لكن صدام امر باعدامهم في حملة تنظيف السجون سيئة الصيت والتي اعدم من خلالها صدام حسين لعشرات الآلاف من العراقيين من دون جرم ارتكبوه.

كان خبر استشهاد هؤلاء الفتية صاعقا ومروعا بحيث لم يصدقه احد وكانت الوالدة الحنون وحتى آخر يوم من حياتها والذي قضته في الغربة المؤلمة لم تكن ترضخ في تصديق خبر استشهاد ابنائها الثلاثة، وكانت تتوقع لهم العودة وتراهم فرحين بثياب العرس.

وكذلك الاب هو الآخر ذاق مرارة الغربة وصعوبة العيش في بلد لم يعرف لغته ولم يستطع العمل فيه اذن؛ كيف سيوفر لقمة الطعام لبناته السبعة وابنه الصغير الذي لايقوى على العمل، هو الآخر رحل عن هذه الدنيا بعد اصابة الّمت به وارقدته في المشفى.

رغم المآىسي والاحزان كانت الام تتذكر الايام الحلوة التي قضتها مع ابنائها وهي لذلك ماكانت تصدق رواية اعدامهم على يد الطغمة البعثية بل كانت تتوقع اللقاء بهم في يوم من الايام لكن لم يخطر ببالها ان هذا اللقاء سيكون في عالم الآخرة لانها هي الاخرى لحقت بزوجها الحنون بعدما لاقت مالاقت في المشافي وغرف العمليات.

والآن اسرة الشهيد مقداد اصبحوا بعد كل هذا العناء والدماء التي قدموها للعراق مشردين عبر البلدان ولم يحصلوا حتى على الجنسية العراقية، ولم يرفعوا الترقين عن جنسيتهم ولهذا لم يستطيعوا استعادة منزلهم الوحيد في العراق وبعد سنين قضوها امام ابواب المحاكم اجبروا على تقاسم منزلهم مع مغتصبيه، وحتى هم لم يحصلوا على اعتراف بشهدائهم..وبعد كل التضحيات التي قدمتها الا تستحق يارئيس الوزراء هذه العائلة الكريمة بان تحصل على الجنسية العراقية؟!

بقلم : طاهر باقر

 

من يريد التواصل مع اسرة الشهيد مقداد الاشتري من المسؤولين العراقيين بامكانه ان يبعث برسالة على هذا العنوان ta68ba@gmail.com

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك