كوثر العزاوي ||
إن كلّ حدثٍ كونيّ وكلّ ظاهرة طبيعية، إنما هي فرصة أتاحها الباري"عزوجل"للتأمل لذوي الالباب! وإن كان يعود سببها الى حدوث طبيعة في تغييرات النظام المناخي للأرض بسبب الاحتباس الحراري مثلا او بسبب الجفاف، وظروف الأرض القاحلة وغير ذلك من الأسباب الطبيعية، إلّا أن ذلك لايبعد الانسان إن لم يلزمه قراءة الظواهر من زاوية الروح التي تُبصر ماوراء الطبيعة! وبعد أن شهد العراق تزايدًا كبيرًا في عدد العواصف الترابية التي ضربت كل محافظات العراق، ما يؤدي إلى انعدام الرؤية لبضع كيلومترات وتفاقم الوضع الصحي بالنسبة لسكان الارض، ما تسبب في حالات اختناق تؤدي في بعض الأحيان إلى وقوع وفيّات، مما دعى وزارة الصحة والبيئة إلى إعلان الطوارئ وعدم مغادرة المنازل وتعطيل الدوام الرسمي وتأجيل رحلات السفر جوا وبرا، فإن كل ذلك جعلني أشعر بأن كل شيء يتكلم معنا بنو البشر! وكأن السماء والأرض والرياح والرمال والأشجار والجبال والبحار كلها في موقف العتب واللوم والحزن يلفّها من بني البشر، فحمرة السماء تشير إلى سيول دماء الشهداء التي غطت أرض المعمورة فأخجلَت ماء السماء لتبقيها محبوسة بين طيات السحب إلا أن يأذن الله، وكأني في أرض العراق قاحلة تعتذر للدماء الزكية التي أريقت فداءًا نيابة عمن فوقها من البشر الذين دنّسوا تربتها الحمراء بأفعال يندى لها جبين الغيور بدل الوفاء بالتزام عهد السماء بحفظ الأمانة، لتعصف بعد ذلك مضطرة بإثارة الرياح، غاضبة محدِثة عواصف كثيفة ماطرة بدل الماء رمال وتراب، لشدة حركتها وسكون أهلها وهم في غمرة ساهون وعن آيات الله معرِضون! أجل!! إن للطبيعية روح تنبض وقد خُلِقت متناغمة مع بني البشر وهي في خدمته، فلو خالف فعله طاعة الله تراها تغضب لله، فلاتملك إلا أن تصطدم مع البشر ناهية عن المنكر الذي يحدِثه في أروقتها، لعله يتذكّر أو يخشى! وبلاشك انما ترتبط -الطبيعة- بتَبِعات تمسُّ الوجودَ البشريّ بالحياةِ أو المَوتِ أو المعاناة، وبمعنى آخر حينما يُذعَر الإنسان لأمر جَلَل وحَدَث خطير وكارثة ضخمة، كأن يخَيَّل له أن السماء تمطر دمًا وهي في الواقع عاصفة ترابية مشهودة! عندئذ تتحرك غريزة الاستفهام بفعل فطرته، ولكنه يغفل أنه السبب! فتراه يستفهم، ليجيبه العقل الملتزم: نعم يابن آدم يامن كرمك الله على كل المخلوقات وكنت سيدها! فأنّ مايمرّ به طقس العراق واضطراب العيش، إنما هو نوع من الابتلاءات والامتحانات الإلهية الصعبة الناتجة عن غضب المولى"عزّ وجلّ" نتيجة عصيان الناس لأوامره سبحانه وتعالى" والخروج عن دائرة الطاعة واستغراقه في الغفلة والبعد عن حيز النور والفضيلة، فضلا عن انتهاك الحرمات وخيانة من ضحّوا لتعيش الأمان والاستقامة لا ان تعيث في الأرض الفساد؟!!
يقول الله عزوجل:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} النحل ١١٢
وكما ورد عن أهل البيت"عليهم السلام" أنّ من أسباب الزلزال والكوارث الطبيعية هو انتشار الفاحشة،
فعن الإمام الصادق"عليه السلام" قال: {إذا فشت أربعة ظهرت أربعة: إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل، وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية، وإذا جار الحكّام في القضاء أمسك القطر من السماء، وإذا خفرت الذمّة نصر المشركون على المسلمين}
التهذيب ٣/ ١٤٨،للشيخ الطوسي،
فأيّ بربّك من هذه الأربع لم تحصل في العراق؟!! كلها بل زيادة" أجارنا الله"
ولعل ذكر ظاهرة الزلازل هي كناية عما يقع من كوارث كونية، فهل من منصِف بعد التذكرة يشهد، أن مايجري اليوم على أرض الأنبياء والاولياء والشهداء والمقدسات من فساد وفجور وأنواع المنكرات وعلى جميع الصعد، الا يستلزم غضب الله وارسال جنود الطبيعة على مايجري ليذكّر الناس ويؤدبهم!! لأنهم السبب في ظهور الفساد والانحرافات بدليل قوله تعالى:
{ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ} الروم ٤١
ضع خطين تحت كلمة" بماكسبت ايدي الناس، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} النحل ١١٨
١٤شوال ١٤٤٣هج
١٦-٥-٢٠٢٢م