-كوثر العزاوي-
عادت بعد سبعٍ عجاف تقلّب الطّرف بين أروقة البيت زاوية تلو الأخرى،
لم ترَ محمدًا ،ولم تسمع صوت محسن، تُرى أين ابتسامة عليّ..ثم تتنقل بقدمين ثقيلتين كمن للتو يتعلم المشي جرّاء الركود في أحد سجون البعث المجرم، تبتسم حينما تراءى لها وجه ساجدة تحمل بين يديها برعم من محمد، إنه ضياء! يالابتسامتك العذبة وقدّكَ الحرير يابكر فرحتنا..دنت لتشمّه، ففرَّ الخيال، وبينما هي كذلك طُرق الباب، إلتفتت خلفها واللهفة في عينين ذابلتين، وبين الشوق والخوف، همست لنفسها..هذا انت يا ابا عمار!! لا لا ليس هو وليس
هم ،كادت تسقط أرضا وهي ترنو إلى اطيافهم فصرخت، إذن أين أبي
حتى انت ياأبي!! وانبرت جاثية على ركبتيها مسترجعة والدمع مِلأ عينيها، تبكي بصمت رأفة بأم الشهداء وبقية السيف أخيها، فما أصعب الفراق واللحظات تنحرها!!، والكلّ غاب عن عينيها..عادت تقلّب صفحات تأريخ ليس ببعيد، باحثة عنهم في طيات الذات والذكريات، فلاتسمع غير همس الترانيم بلحن الكرامة والإباء وكان هو العزاء، وكأن ثمة من يسألها: ترى أين الاهل والصحب أين السند أين الحبيب والشريك!! ليأتي الجواب صدى يشجو "كلهم شهداء"!! في ليلة قَمرية عصفت ريح هوجاءَ في واحة حياتنا الخضراء، وعَبثت بأرواحنا ومزَّقت أستار حجابنا وشتَّتت أحبابنا واستلّت الرضّع من أحضان أمهاتنا، ثم ذَرَت خلفها نوائحَ وثكالى، إذ بدت سماء العراق يومئذ مدلهمّة وأرضها قاحلة، يالها من حقبة مضنية مظلمة، طويل ليلها معتَمٌ نهارها، ونحن كالغرباء، والشمس مذبوحة في سماء العراق، كلّ قد علِمَ مصيره إن كان حرّا وشريف فليستعد للموت أو التغييب..أنفاس تتكسر في صدور الأحرار والصوت يختنق في الحناجر ولامِن مغيث يسلط الاضواء ويكشف الحقيقة ويفضح المستور في الإعلام، كل العالم كان يمجّد الأجرام ويشدّ على يد صدام السفاح ويقلّده وسام بطل السلام، وهو مَن لم تخطو سهامه لاعالِمٌ ولا حكيم ولا فئة عمرية دون أخرى، يكفي أنه معارض غير بعثيّ، فذاك يعني الموت والتغييب، وقد شهد على تلك الحقبة مئآت المقابر والحفر الجماعية الموزعة بعبث على بقاع أرض العراق فأينما تولّي وجهك فثمة سجن أو مقبرة دُفن فيها خلقٌ كثير وهم احياء!! فوالله والله لم يكن ماتقرأ في سطور ضربًا من عدم الحقيقة أو خيال ،فما رَوَتهُ سطوري رأته عينيَّ وسمعته أذنيَّ ونالَها مانالَها مع مئآت بل آلاف من أبناء وبنات بلدي العراق، سياط جلاد وضرب وتمزيق للاجساد، وصراخ أطفال وسبيُ حرائر وتعذيبٌ بالحديد والنار، طالت الشباب والشيوخ والاطفال والنساء، رموز وكفاءات من حملة الشهادات العليا ذووا الدين والعلم والتقوى، ووجهاء ومفكرين وآيات الله وو.. مالا يتخيله عقل حكيم ولم يصبر عليه غيور!! بل الأنكى، أن اولئك والآلاف من أبناء العراق من كلا الجنسين ممن اعتُقِلوا قد غُيِّبوا في الدهاليز العفلقية الصدامية عشرات السنين بلا محاكمة ولا معرفة مصير
ولا دليل ولاأثر، مما شكّل ذلك غصة في صدور أمهات وآباء وأهل وأحبة حتى توفاهم الله وهم في حسرة معرفة مصير أبنائهم!! غير أن يد الرحمة الإلهية شاءت لتكتب الحياة لثلة من الأحرار بعد عشرات من سنين السجن والتنكيل ومصادرة الحرية وخنق الأنفاس، ليبقى هؤلاء شاهد صدق على حقبة الاجرام لسفاح العراق وزبانيته وحوش أشباه الرجال من عشيرته وأراذل الناس، وستبقى دماء الشهداء والمقابر الجماعية وعملية دفن الأحياء، بصمة عار في جبين تاريخ العفالقة وأعوانهم والراضين بفعلهم
كما سيبقى نزيف جراحاتنا يغلي حتى يغادر العراق حالة الاحتلال والدكتاتورية المبطنة في أصل نفوسٍ تحاول اجترار تجربة البعث الصدامي المجرم لتعيدها بعد أن شملتنا العناية الإلهية بإزاحة كابوسه النتن، وأقولها واثقة بأن عراق بلا صدام كبستان بلا ثمار، وحسبنا منه الظلّ وخضرة النخيل ووارف الاشجار، غير أن الطامعين ببلدي وشعبه لم يرق لهم استقرارنا، فعاثوا في أرضنا الفساد حربا ونهبا للخيرات، ولاساند له ولابواكي عليه.ولنا في النور الآتي من وراء السحاب أمل كبير ومعه معه لأخذ الثار" إنهُ وعد غير مكذوب
١٧شوال ١٤٤٣هج
١٩-٥-٢٠٢٢م
اولا اسال الله سبحانه ان يديم حرية هذه الاصوات (المخنوقة) منذ عشرات السنين
ثانيا منذ ١٩٩١ والى الآن ماشفيت صدورنا والمرارة لم تزل فينا
ثالثا (عراق بلا صدام كبستان بلا ثمار حسبنا منه الظل..) لاادري هذه العبارة انزلت مني الدموع فقد اختصرت الماضي والحاضر والمستقبل حتى ياذن الله سبحانه بالفرج. وليتهم في (الظل) يتركونا..