انتصار حميد ||
مَنْ مِنَّا يجرؤُ على نكرانِ ذلك؟ المواقفُ العظيمةُ لا تنتظر منَّا سوى التبجيل والثناء. مظفَّر النوَّاب كان واحدا من أصحابِ تلك المواقف. بيدَ أنَّ وفاتَه انطوت على ثلاث مفارقات..
إحداهما، إنَّ هذا اليساري العنيد المتمرد أصرَّ على أن يُدفنَ في الغريّ، عند مرقد أمير المؤمنين عليه السلام. الأمر الذي خيَّبَ آمال أصحابِ الأيديولوجيا اليساريَّة الذين أرادوا له أن يكونَ رمزا يضفي على تيارهم المعاصر نوعا من المقبوليَّة، في ظلِّ انحسارٍ لم يشهده هذا التيار من قبل.
الثانية، إنَّه على الرغم من استماتة بعض رجالِ الدولة على تبني التشييع، إلَّا أنَّ البسطاء الذين انشغلت قصائدُ النوَّابِ بمعاناتِهم طويلا، رفضوا إلَّا أن يكون التشييعُ من نصيبهم. في ردٍّ متوقَّع جدا على ما عدُّوه إهمالا مُتعمَّدا لمظفَّرِ الكلمة المقاومة.
المفارقة الثالثة، إنَّ النوَّاب يكادُ يكون من بين القلَّة الذين حظوا بإجماع عراقي قلَّ نظيره؛ فقد رثاهُ المتدين والعلماني على حدٍّ سواء. وما ذلك إلَّا إكبار لموقفهِ الرافضِ للذُلِّ والخنوعِ للظالمين، بغض النظر عن متبنياته الفكريَّة. الإسلامُ كان واضحا منذُ البداية: رفضُ العبوديَّة والاستكبارِ من أبرز أولوياته.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha