سارة سلام ||
عند صعودك للمواصلات العامة أو ان تختار السير في احدى شوارع العاصمة بغداد، ستسمع حديث المارة والعابرين و تقرأ في عيونهم حالة من الحيرة والترقب؛ معكوفة هي جباه العراقيين الذين طحنتهم الازمات بإرهابها ومفخخاتها والقتل على الهوية و الوقوف طوابير طويلة على محطات تعبئة الوقود حتى اصبح ثمن التنقل بين منطقة واخرى داخل العاصمة يضاهي التنقل لمدينة اخرى، كان هذا و أكثر في سنوات الفوضى الأولى للاحتلال الامريكي، وكان للأمر ما يبرره بعد نيسان ٢٠٠٣ من انهيار كامل لبلد أنُهك بالحصار والنار و دُمر بمشروع الدبابة الامريكية التي تأبى المغادرة.
أما الان فلعل الجيل الحالي لا يحفظ في الذاكرة هذه الاحداث الذي ألصقت بذاكرته سنوات الحرب مع داعش احدى أهم التنظيمات المدعومة عالمياً لوجستيا واعلامياً، والتي بدأت قبل قرابة ثمانية سنوات، وكان الهدف هو تدمير ما تبقى من خطوط نقل النفط و السيطرة على المصافي و حرقٍ للحقول وهدمٍ لابراج الطاقة، و رغم ان رد الفعل العراقي كان كبيرا و غير المعادلة بزمنٍ قياسي؛ ألا أن لا حرب دون ثمن…
فكان الثمن الالاف من ابناءنا الشهداء و الجرحى بما يضاهيه الالاف من اليتامى، فضلا عن استنزاف طاقات الدولة المالية في حرب الشوارع التي كان يُراد لها ان تستمر طويلاً في العراق كما هو الحال في سوريا التي ما كانت لتستعيد سيطرتها على اراضيها المتاخمة للحدود العراقية لو لا وصول قطعات الجيش والحشد لأهم النقاط الحدودي والسيطرة عليها بالكامل ومنع التسلل الممنهج للتنظيمات المتطرفة بين البلدين.
و لأن العراق ليس معزولاً عن محيطه الاقليمي و ما جرى من تطورات ملف التفاوض الايراني - الاميركي و ملف الصراعات والنزاعات العالمية، كان اخرها الحرب في أوكرانيًا آلتي أثرت بشكل مباشر في اقتصاد كثير من الدول ان لم نقل اقتصاد العالم بكامله، اذ تلعب اوكرانيا دوراً أساسياً في نظام الغذاء العالمي، فوفقاً للصندوق الدولي للتنمية الزراعية تساهم روسيا وأوكرانيا معاً بنحو 12% من السعرات الحرارية الغذائية التي يتم استهلاكها في العالم.
وتذهب نحو نصف صادرات أوكرانيا (40%) من القمح والذرة إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، التي تعاني بالفعل من مشكلات الجوع.
ووقد يؤدي نقص الأغذية أو ارتفاع أسعارها إلى تأجيج الاضطرابات الاجتماعية في المنطقة، ومن ثم يمتد تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا إلى الكثير من الدول.
وقد ارتفعت بالفعل أسعار المواد الغذائية العالمية في فبراير بنسبة تزيد على 20% مقارنة بعام 2021، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
ولأن الحروب المتتالية والاضطرابات وسنين العقوبات الاقتصادية قد خنقت الإنتاج الزراعي في العراق، وتركت للمزارعين معاناة نقص البذور الجيدة والأسمدة، واضطر مربو الثروة الحيوانية لبيع مواشيهم أو تركها وراءهم، كما شهد بعضهم وقوع قطعانهم ومواشيهم فريسة للمرض. وبالمثل، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد منع العديد من العراقيين من تكملة الحصص الغذائية التي خضت هي الاخرى لملفات الفساد المتعاقبة ناهيك عن عدم وجود خزين كافٍ للأمن الغذائي في بلد اعتمد اقتصاده كلياً على احادية الريع النفطي فقط دون الالتفات للزراعة و الصناعة و يمكنك القول ان الإهمال في هذين الجانبين كان و لا زال متعمدا.
بالتالي لن يتحقق الأمن الغذائي عبر قانون يؤمن استيراد المواد الغذائية و تخزينها فالبلد ليس في عهد النبي يوسف عليه السلام . انما للأمن الغذائي طريق واحد لا غير يتمثل باتباع سياسة ترتكز على المقولة الآتية : ( نأكل مما نزرع ... و نلبس مما ننسج )، هذا ما لم تحققه سنواتٌ عُجاف لسوء التخطيط في الدولة العراقية على مستوى ادارتها لمواردها الاقتصادية والبشرية.
والسلام ..