محمد حسن الساعدي ||
يرى أغلب المراقبون والمختصون بالشأن المالي، بأن يكون إقرار قانون الأمن الغذائي والتنمية، بديلاً مقصوداً لمشروع الموازنة الاتحادية لعام 2022،الأمر الذي يقف حاجزاً ومعضلا، أمام المصالح الاقتصادية والمالية للدولة والشعب..
أكثر من ذلك فهم يرونه سببا مباشرا، في تأخير عمليات الاستثمار و حركة البناء والأعمار، وتنفيذ الخطة العمرانية الكبرى للبلاد، كما أن إمكانية التصويت على هذا القانون، يعرقل فرص استثمار الفائض المالي المتوقع، لإنشاء صندوق يكون متعدد الغايات والأهداف، فيها استثمار وإطفاء ديون، وبدلاً من ذلك يراد تبديد الفائض الناتج من زيادة أسعار النفط الخام وليست إيرادات النفط، ضمن قنوات صرف جديدة خارج إطار الرقابة والتدقيق، التي ينظمها قانون الموازنة وقانون الإدارة المالية رقم 6 لعام 2019، ما يزيد من مخاطر الهدر والفساد على المال العام، خاصة في ظل اضطراب عمل مجلس النواب والحكومة، الأمر الذي يعني دخول البلاد في، فراغ دستوري ومستقبل مجهول لا يمكن أصلاحه.
لا يوجد مسببات لمثل هذا القانون الذي يحمل بين طياته الكثير من الألغام، إضافة إلى عدم وجود أي موجبات حقيقية، لإقرار مثل هذا القانون، لعدم وجود مخاطر تهدد الأمن الغذائي للبلاد، بالشكل الذي يتم تصويره، إضافة إلى أن التخصصات المالية للغذاء، سارية بصورة منتظمة، وليس هناك أي مشاكل في هذا الجانب، ما يعني انتفاء المبررات المقدمة للقانون.
يضاف لما سبق أنه مثل هكذا قوانين، يسهل الطعن بها، لعدم وجود جواز تشريعي لها من قبل حكومة "تصريف الأعمال" إلى حين انتخاب حكومة جديدة وبصلاحيات دستورية كاملة، كما أن البرلمان لا يمتلك الصلاحيات، لتقديم القوانين التي فيها جنبه مالية، حسب قرار المحكمة الاتحادية .
المادة (2) من القانون والتي تنص على أنشاد حساب بمقدار 25تريليون دينار، ومنح صلاحية الاقتراض الحكومي بمقدار 10 تريليون دينار في دعم الحساب وبذلك فإن إجمالي رصيد الحساب 35 تريليون دينار، ووفقا للمادة (3/ أولا) من القانون تخصص نسبة 35% من الحساب المزمع إنشاءه، لتمويل البطاقة التموينية وشراء محصولي الحنطة والشلب من الفلاحين، وهي أكثر من 10 تريليون وهو ما يعادل خمسة أضعاف، تخصيصات البطاقة التموينية و مستحقات الفلاحين في الموازنة السابقة!
هذا القانون الذي أعيد طرحه ضمن جدول أعمال مجلس النواب العراقي مرة ثانية، ورفضته المحكمة الاتحادية رفضا قاطعا، لكونه أعطي صلاحيات للحكومة، أكبر من صلاحيتها في تصريف الأعمال فقط كما أنه يمثل اكبر منفذ محتمل للفساد في البلاد، إذ أن حصة المواد التموينية فيه لا تتجاوز 35% والباقي يذهب إلى تعيينات وأموال طائلة تذهب بعنوان أعمار الأقاليم، وهذا ما يعني أن هناك إرادة سياسية لتمرير هذا القانون، والعمل على إقرار وفق هذه المحددات، دون أن تكون هناك أي جداول أو آليات أو خطة عمل واضحة لصرف هذه الأموال .
لا يوجد هناك أي مبرر لتشريع قانون بديل عن الموازنة الاتحادية، نظرا لما تضمنته المادة 13 من قانون الإدارة المالية رقم 6 لعام 2019 من اتاحة لعمليات الصرف في حال تأخر إقرار الموازنة، والتي تشير بصورة واضحة إلى الصرف بنسبة 1: 12 فما دون، من إجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية للسنة المالية السابقة،بعد استبعاد المصروفات غير المتكررة على أساس شهري، ولحين المصادقة على الموازنة العامة..
لذلك ففي حال عدم إقرار قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة مالية معينة، تعد البيانات المالية للسنة السابقة أساس البيانات المالية لهذه السنة، وتقدم إلى مجلس النواب لغرض إقرارها، لذلك فأن إقرار مثل هذه القوانين لها أثر خطير في حال تمريرها لان الأيادي المسؤولة ليست موثوقا بها، بالشكل التي يمكن الاعتماد عليها في عمليات صرف مثل هذه الأموال الطائلة.