لمى يعرب محمد ||
قرأت ذات مرة في كتاب، إن اسم "علي" له معان ودلالات خاصة، فهو كثير العلو والشرف والرجل الصلب، "ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم"، والأغلب إن المولود الجديد الذي يسمى بهذا الاسم سيكون له شأن خاص في المستقبل، رسخت هذه المعلومة في ذهني، ووددت عندما أصبح أما اسمي ابني بهذا الاسم الجميل.
وفعلا تحققت أمنيتي ووهبني الله طفلا أسميته عليا، كان علي غرسا جيدا مؤمنا دؤوبا محبا للعلم والعمل، مسقى بالآيات القرآنية ودرر الأدعية منذ ولادته، كبر وهو على هذا النحو ودخل كلية الهندسة المدنية، وعندما ذهب لأداء آخر امتحانات نهاية السنة للمرحلة الرابعة، وأنا أنتظر عودته بشوق وفرح، وكلي أمل بأنه سيقطف ثمار التخرج، عمت الأحلام السعيدة بيتنا البسيط، وقد وعدني انه سيبني لي منزلا وفق ما تعلمه بدراسته الجامعية، وصل علي لقاعة الامتحان وجلس في مكانه المخصص وبدأ يتمتم مع نفسه ويقرأ سورة الفاتحة المباركة كما عودته منذ صغره ثم باشر بحل أسئلة الامتحان الأخير.
في نهاية وقت الامتحان جاء مجموعة من الأساتذة، واختاروا بعض الطلبة المجتهدين لغرض أشراكهم بتنفيذ مشروع حكومي، يقع على حدود البلد كاختبار لهم، وكان علي من ضمنهم، رجع علي للبيت وهو يخبرني مسرورا، انه قد تم اختياره من ضمن الطلبة المرشحين لانجاز هذا المشروع، وما بين قلقي وسروري خرج علي وأنا خلفه اتبع خطواته بترقب، اقرأ بعض آيات القران الكريم وبيدي إناء ماء سكبته خلفه، فهي سجية نعتقد بها ونؤمن، إن المسافر يذهب ويعود سالما إلى بيته برش الماء خلفه، أصبح علي مشغولا ومنهمكا بعمله الجديد، يتصل بي بين الحين والآخر، يحدثني عن الحياة الجديدة التي يعيشها والسعادة تغمر عباراته، بأنهم سينجزون مشروعا هاما للبلد.
لكن هذا المشروع لم يكتب له التوفيق، فقد ساءت أوضاع البلد السياسية، ودخل المتطرفون القتلة وعصاباتهم فاحتلوا المدينة التي كان فيها المشروع قائما، توقف المشروع ولم يعود علي!!!..
اتصل علي ليخبرني انه التحق للدفاع عن مقدساته ووطنه، وقال:- يا أمي سامحيني فإن هذا الوقت هو فعلا وقت الامتحان الحقيقي، أحسست حينها إني انتقلت لعالم آخر، شعرت بثقل جسدي وسخونته ، بثانية واحدة مرت بين عيني سلسة حياة علي بطفولته وشبابه، راودتني مئات الأفكار والمشاهد، اختلف وقت الامتحان الآن من القاعة الدراسية لسواتر الجبهات والقتال، ماذا افعل وكيف استوعب هذا الموقف؟!!..
يبدو أن الغمام الأسود قد أحاطني من كل جانب، افر إلى الله منه وأدعو "اللهم أحفظ علي"، فلم ينجل عني الغمام إلا عندما عاد علي ملفوفا بعلم الوطن، فاستودعنا الدنيا بخلجات أنفاس واحدة، وقبري بجوار قبره وكانت جرعة الموت قد اسقتنى أعراضها معا، ولم يكن هناك مسكن للآلام سوى اللقاء..
سلام لكل علي سقط شهيدا معطاءا وشجاعا مدافعا عن أرضه وعرضه.
https://telegram.me/buratha